بتجرد...

"لا أدري لماذا يصعب عليه أن يفهم أنه وبتجرد لا يعنيني." هكذا بدأت حديثها معي بمنتهى العجل والعصبية. أومأت لها برأسي أن تجلس وتكمل ما بدأت وكأنني أذنت لسيل جارف من الكلمات بالخروج من فمها بلا توقف...

جلست واقترضت من الهواء حفنة من أكسجين ساعدتها في زفير تشكلت كلماته على النحو التالي: " لقد أمضيت معظم سنين عمري أتصالح مع أخطاء الرجل في حقي. لن أبدد ما حققته من سلام مع نفسي والرجل ككائن يشاطرني هذا الكوكب من أجل علاقة عابرة مع رجل متزوج. أنا أستحق أفضل من هذا ولا أعتبره جائزة صبري في هذه الدنيا. لست بالغبية وقد وصلت لمرحلة من العمر لا يثار فيها اعجابي بسهولة. ومن حسن حظه أنني فقط اتسلح بالرقي كي لا أرد عليه بشكل فج أمام مناوراته ومحاولاته لأنني للآن ما زلت متمسكة بأن أحفظ له ماء وجهه. نعم أنا مطلقة ولكن معاييري لم تنحدر وما زلت أعتبر العلاقات أمراً مقدساً... وفوق هذا كله أنا أحترم نفسي ومشاعري التي استهلكت من عمري وقتاً طويلاً كي أطيب جروحها."

سكتت قليلاً فحاولت أن أشرح لها وجهة نظر الرجال اللذين يعتقدون أنهم يعيشون اللحظة: "للأسف هناك اعتقاد أن المرأة المطلقة لديها القابلية أن تعبث قليلاً ولن تمانع في علاقات عابرة إذا كانت الأمور واضحة منذ البداية... أي أن كلا الطرفين مدركان أنها علاقة للتسلية فقط."

وكأنني فتحت الباب لريح عاتية: "تسلية!! أين التسلية في علاقات تمر في حياتك وتترك أثرها وسماً من نار على باب القلب. نحن بنو البشر كتلة من المشاعر والأحاسيس ولسنا مجرد آلات نقرر أن نشعر شعوراً معيناً فنشعره. تؤثر العلاقات فينا بغض النظر عن القرارات والتسميات وأي إطار شكلي نختاره لها. نحن للأسف لا نعمل بالأزرار... اليوم نضغط زرا فنحب وغداً نضغط آخر فنكره. ثم إن وضع أي نوع من المحددات على العلاقات العاطفية تجعلنا نتصرف بطريقة منافية لطبيعتنا كإجراء احترازي ووقائي من الوقوع في الحب."

وبصوت خفيض: "لقد تألمت في حياتي ما يكفي لأقدر حريتي وسعادتي اللتان أشعر بهما اليوم. لست على استعداد أن أنجرف في أية مناورة تعيدني للمربع الأول من الألم والانتظار... انتظار الشيء الذي لن يتحقق. لم أتحرر فعلاً إلا عندما توقفت عن الانتظار. انتظار الحب وانتظار الاهتمام وانتظار الوفاء بالوعد... أنا حرة... حرة... ولن أستغنى عن هذه الحرية لرجل مداركه لم تنضج بالدرجة التي تسمح له قبول حقيقة أقولها بكل صدق وتجرد... هو لا يعنيني."