في نهاية أحد أيام عملي، أتصفح كالعادة مختلف الصفحات على الفيس بوك. لأتصادف بمنشور يعود تاريخه لعام 2018، يعرض صورة امرأة برفقة طفلها. لأجد كل ما يتبادر لذهني في هذا الوقت " كم يشبهها هذا الطفل!". إلى هنا كان الأمر عادياً فهذه أم وهذا ابنها ومن الطبيعي أن يتشابهان. ولكن ما فاجئني هو عندما استمريت بالقراءة وشاهدت تعليقات الجميع، ووجدتها تسرد قصتها مع طفلها بالتبني. لأجد نفسي أصل إلى صفحتها على الفيس بوم والتي تدعى "An adoption story in Egypt". ظللت لأسابيع طويلة أتابع الصفحة، لأعلم ما تتحدث عنه رشا مكي التي قررت أن تشجع ملايين النساء على فكرة التبني أو الكفالة.
ومع بدايات شهر نوفمبر والمعروف بكونه شهر التوعية بالتبني، قررت أن أبدأ في اتخاذ خطوات فعلية، في التواصل مع رشا مكي، لتشاركنا في حوار مع "فستاني" قصتها مع تبني ابنها "مصطفى"، وكيف كان نقطة تحول كبيرة في حياتها...
في البداية حدثينا عن الوقت الذي قررت فيه تبني طفل وكيف اتخذتِ القرار؟
لدي عشق كبير للأطفال، فدائماً كنت أفكر بهم وأحلم أنني سيكون لدي عدد كبير من الأبناء. لهذا سعيت كثيراً وعلى مدار ٢٠ عاماً في أن أنجب أطفال ولكن لم يفلح الأمر. وبعد مرور أول سبع سنوات من المحاولات المستمرة والتي فشلت جميعها في حل مشاكل الإنجاب لدي، بدأت فكرة التبني تراودني. ولكن كان من الصعب أن اتخذ قرار حاسم أو واضح بها. فلم أكن سمعت يوماً عن قصة لأسرة أو شخص ما معلنة في مصر عن أنهم تبنوا/ كفلوا طفل. لذلك لم يكن لدي أي معلومة متوفرة سواء عن الإجراءات أو كيف يسير الأمر. وبما أنني كان لدي اصرار أن أتبني طفل مصري رغم إقامتي بأمريكا فهذا ما زاد الأمر صعوبة.
وهل كان لديك بالأساس تقبل لفكرة التبني بشكل عام قديماً؟
بالطبع كان لدي تقبل للفكرة بشكل كبير، فكل ما أرغب به هو تربية طفل وأشعر بأنني أم. وليس فارق معي أن يكون ابني عن طريق الإنجاب أو بالتبني/ كفالة. بالإضافة إلى أنني طوال حياتي كنت مقتنعة بفكرة التبني ولكن لم أتخيل يوماً أنه سيمنحني نفس شعور الأمومة النابع من الحمل والإنجاب.
قرار التبني ليس سهلاً، خاصة أن النساء يجدن صعوبة في إقناع أزواجهن بالفكرة، فكيف تغلبت على ذلك؟
في الحقيقة لم أعاني قط في إقناع زوجي "محمد" بفكرة التبني/ الكفالة، فهو منذ أن التقينا وهو يعلم حبي الكبير للأطفال ورغبتي في تحقيق حلم الأمومة. لذلك كان يحمسني ويشجعني على تبني طفل. كما أنه منذ اليوم الأول وهو يحب ابننا "مصطفى" بشكل كبير وهم مترابطان جداً.
ولكن بالفعل هناك نساء كثيرات يجدن صعوبة بالغة في ذلك. فمنذ أن أنشأت صفحة An adoption story in Egypt تصلني رسائل ومكالمات بالمئات يومياً عن نساء لا يعرفن كيف يقنعن أزواجهن بالفكرة، فهن يواجهن معاناة حقيقية. لذلك أحاول طوال الوقت إعطائهم بعض النصائح وأعرض عليهم أن أتحدث أنا أو زوجي "محمد" مع أزواجهم.
برأيك ما الأسئلة التي يجب أن تسألها كل امرأة لنفسها قبل اتخاذ قرار التبني أو الكفالة؟
أعتقد هو سؤال واحد ولكنه ذو أهمية كبيرة وهو " هل أنا مستعدة حقاً لمسئولية تبني وتربية طفل أم لا؟!" فهؤلاء الأطفال ليسوا لعبة، نقضي برفقتهم بعض الوقت ونتركهم بعد ذلك. فمنذ اللحظة التي تتبني فيها هذا الطفل يكون "ابنك" وأنت عائلته الوحيدة. لذلك ليس من المتاح إذا وجدت مسئولية تربيته كبيرة أن تعيديه مرة أخرى للملجأ، فهي بذلك تدمر نفسية الطفل للأبد.
عادة تربط النساء شعور الأمومة بالحمل والإنجاب، لذلك يعتقدن أن التبني لن يمنحهم نفس القدر من المشاعر؟
قبل اتخاذ خطوة التبني/ الكفالة يمكن اعتقاد ذلك ولكنه يختلف تماماً بعد أن يصبح الطفل في بيتك. فرغم أنني كنت دوماً مقتنعة بالتبني ولكن لم أتخيل أنه سيكون بداخلي كم هذا الحب تجاه "مصطفي". واليوم بعدما قمت بتربيته منذ الطفولة، وقمت بإرضاعه وشاهدته يكبر أمامي يوماً بعد يوم أصبحت لا أتخيل حياتي بدونه. حتى أنني عندما أجلس مع نساء لديهم أطفال بالفعل ولكن قرروا تبني طفل، يؤكدن على أنهم يكنون للطفل المتبني حب من نوع خاص يختلف عن أطفالهم الذين أنجبوهم.
إذاً، كيف تسير الحياة بعد التبني؟
نحن عائلة عادية، فمصطفى "ابني" ولم أشعر يوماً بعكس ذلك. وأحياناً أنسى أنه ابني بالتبني. نحن كأي أسرة، أشاركه أدق تفاصيله، نذهب للمدرسة والتمارين معاً. نجتمع مع أصدقائنا. لدينا نفس مشاكل العائلات العادية. فالأمر طبيعي تماماً.
يواجه الغالبية صعوبة في اخبار الأطفال بأنهم متبنين لأسباب مختلفة، كيف واجهتي ذلك؟
بالفعل، هناك الكثير من العائلات تقع في حيرة شديدة تجاه إخبار أبنائها بحقيقة أنهم متبنين. وبعضهم ينتظر حتى يكبر الأولاد والذهاب بهم لطبيب نفسي ليخبرهم الحقيقة. وهنا يواجه الأبناء صدمة حقيقة وتنعدم ثقتهم بأسرهم. فأولادنا ليسوا مرضى نفسيين أو لديهم مشكلة ما ليكونوا بحاجة لطبيب ليعالجهم أو يخبرهم الحقيقة. الأمر بأكمله يعتمد علينا منذ البداية، فإذا حرصنا على أن نكون صادقين معهم من اليوم الأول لن تكون هناك مشكلة. بالنسبة لي، حرصت من أول يوم تبنيت فيه "مصطفى" أن أكون صريحة وأحدثه عن الكثير من قصص التبني وأقرأ له الكتب وأروي له قصته، وأقدمه لأي شخص على أنه "ابني بالتبني". حتى أصبح يعتاد على ذلك، وعندما كبر قليلاً بدأ يفهم الأمر وبدأت أروي له مزيد من التفاصيل. وبالتالي لم أكذب عليه يوماً أو أخفي عنه الحقيقة، وهذا ما يجب على الأهالي القيام به.
وكيف كان تأثير ذلك على مصطفى؟
أصبحت ثقته بي قوية للغاية، بل بدأ يقترح عليَ أن نذهب ونتبنى طفل آخر. وجلسنا سوياً وتناقشنا في هذا الأمر، هل ستحبه؟ هل ستشاركه ألعابك وملابسك؟ هل سينام بجوارك؟ ووجدته متحمساً للغاية، بل أخبرني أنه سيفعل مع الطفل الجديد، مثلما فعلت أنا معه.
في ظل انتشار التنمر، هل يكون الأطفال المتبنين أكثر عرضة من غيرهم؟
مثلهم كمثل أي طفل آخر، فهم ليسوا أكثر عرضه لذلك. بل علينا أن نقوي ثقتهم بأنفسهم ليكونوا قادرين على مواجهة العالم. فإذا تمسكنا بالصراحة والوضوح من البداية، وجعلناهم يفهمون وضعهم وظروفهم هذا سيزيد ثقتهم بنفسهم ولن يشعروا بالفرق بينهم وبين أي طفل آخر. وبالتالي لن يكونوا عرضه للتنمر أكثر من غيرهم. أولادنا ليسوا مرضى نفسيين، نحن من نجعلهم كذلك.
حدثينا عن الصفحة التي قمت بإنشائها على الفيس بوك وما كان الهدف منها؟
صفحة An adoption story in Egypt لها عدة أهداف، والتي سأشرحها بالتفصيل في النقاط التالية...
١- التشجيع على فكرة التبني، وتحقيق حلم الأمومة لكل امرأة.
٢- زيادة وعي العائلات المصرية التي ترغب في تبني أطفال، بدءاً من معرفة الإجراءات وكيفية إنجازها في وقت قصير وحتى تعاملهم مع الطفل.
٣- مساعدة العائلات المصرية الذين يتبنون أطفال ويسافرون للخارج برفقتهم، تحديداً أمريكا، لأنني أصبحت على دراية بكافة الإجراءات. لذلك بدلاً من أن تأخذ الإجراءات وقتاً طويلاً مثلما حدث معي، يمكن إنجازها مثلاً بعام واحد.
٤- التعاون مع إحدى المنظمات بأمريكا لمساعدة الأسر المصرية المقيمة هناك بمختلف الولايات ويريدون تبني/ كفالة، أطفال من مصر ويعودوا بهم مرة أخرى لأمريكا، في كافة الإجراءات.
٥- زيادة الوعي لدى الأسر المسيحية التي لا تعلم الإجراءات التي يجب اتخاذها عند تبني طفل. لذلك أحاول التواصل مع الكنائس والمسئولين لمعرفة كافة التفاصيل، وأين يتواجد الأطفال المسيحيين المسموح بتبنيهم.
٦- مساعدة الأجانب المتزوجين من مصريين ومقيمين بمصر على تبني أطفال. لأن الكثير يعتقد أنه ليس مسموحاً لهم.
٧- تقديم منشورات الصفحة باللغتين العربية والإنجليزية لمساعدة المصريين الذين ولدوا بالخارج وغير ناطقين بالعربية للتعرف على جميع التفاصيل الخاصة بتبني الأطفال.
٨- ترجمة جميع الكتب والقصص التي تتحدث عن التبني للعربية، مع تصوير بعضها فيديو. ليكون على هيئة أم تروي قصة. وذلك لمساعدة الأسر المصرية التي لديها طفل بالتبني، وتود أن تخبره قصته الحقيقية.
٩- أن يأتي يوماً تكون هذه الملاجئ خالية من الأطفال بعدما يجدوا أسر وعائلات يعيشون ويكبرون برفقتهم. فاليوم، أصبحت الكثير من الملاجئ تتواصل معي ليخبروني بوجود أطفال جديدة.
أخيراً، كل تجربة لها إيجابياتها وسلبياتها، هل ينطبق ذلك أيضاً على مسألة التبني؟
" مصطفى غير حياتي"... تجربة التبني/ الكفالة ليس لها سلبيات، بالعكس لقد جعلت للحياة قيمة ومعنى وجمال مختلف جداً. فبالنسبة لي مثلاً قبل التبني، كنت أفعل كل شيء، أعمل بجد وأكسب أموال وأنفقها على السفر والتسوق. ورغم أن حياتي كانت تبدو مليئة بالمتعة، إلا أنه كان هناك دوماً شيء ناقص. ولكن وجود طفل بالمنزل جعل الأشياء وإحساسي بها يبدو مختلفاً. فرؤيته يكبر أمامي وأقوم بتربيته تجعلني أشعر بالمعني الحقيقي للسعادة.
للتعرف على المزيد من التفاصيل حول إجراءات التبني أو كفالة الأطفال يمكنك زيارة صفحة An adoption story in Egypt.