يفكر كلاً منا آلاف المرات قبل أن يخطو قدماً واحداً في أي شيء. نعتقد أننا ولدنا في قوالب لا يمكننا كسرها أو الخروج عنها. بعضنا ظل لسنوات حبيساً لهذه القوالب، بينما استطاع الآخرين تحطيمها. ليصنعوا عالماً جديداً لأنفسهم. لم تكن تجاربهم هذه فقط انتصاراً شخصياً، ولكنها كانت ملهمة لنا جميعاً. وكلما شعرنا بإحباط أو رددنا بداخلي عبارات سلبية حول عدم قدرتي على فعل ما أحلم به. تذكرت نجاحاتهم هذه، ليولد بداخلي حافزاً قوياً.
قررنا أن نجمع هذه التجارب فى سلسلة من الحوارات مع أصحابها. ليسردوا لنا جميعاً تفاصيلها تحت عنوان "لم لا". فربما تكون قصصهم هذه بوابة جديدة لأي منا لكسر القالب الذي فرضه علينا المجتمع. وكانت أولى هذه الحوارات مع سارة جمال أول حكم دولي مصرية محجبة بكرة السلة.
في البداية حدثينا عن نفسك؟
أنا سارة جمال الشرنوبي، من مواليد الأسكندرية. أبلغ من العمر 29 عاماً. عشقت كرة السلة منذ أن كان عمري خمس سنوات. وتطورت مهاراتي بها سريعاً، لتبدأ رحلتي بعالم التحكيم في سن الخمسة عشر عاماً، مررت بكل مراحل التحكيم حتي وصلت إلى الشارة الدولية والتي تسمح لي بإدارة المباريات الدولية. واستمرت رحلتي كحكمة ولاعبة حتى سن الثانية والعشرون. أيضاً التحققت بكلية الهندسة جامعة الأسكندرية وتخرجت منها. وأعمل حالياً كمهندسة وحكم دولي.
وماذا عن وصولك للتحكيم بكأس العام، في الوقت الذي يمنع فيه الاتحاد الدولي لكرة السلة المحجبات من هذا المنصب؟
بالفعل كان هناك عدم سماح للمشاركة في التحكيم أو اللعب بالحجاب ولكن كان دائما لدي يقين أنه في يوم ما سيتغير هذا القانون. لذلك حرصت على أن أقدم صورة مشرفة للحجاب وأؤكد أنه مظهر مشرف يمكنني به اللعب والتحكيم دون أي عائق.
وهل كان ذلك أمراً سهلاً؟
بالطبع لا، فكنت أبقى ليالي طويلة أدعو فيها بأن أتمكن من تحقيق حلمي وتغيير هذا القانون. وساعدني الكثير من أساتذتي، في توصيل هذه الصورة المشرفة لممثلي الإتحاد الدولي للحكام. وبالفعل تغيرت القوانين وتم السماح لي بالتحكيم في مباريات كأس العالم لكرة السلة تحت سن 17 سنة بنات في بيلا روسيا. لأكون بذلك أول محجبة تشارك في كأس العالم.
وماذا عن شعورك حينها؟
كانت من أسعد لحظات حياتي. ولكن شعرت حينها أيضاً بمسئولية كبيرة. فلم أكن حينها أمثل نفسي فقط، ولكني أمثل خطوة كبيرة في تاريخ التحكيم الدولي. ولذلك كنت حريصة على أن أكون بمظهر جيد فنياً ليكون الإنطباع عني إيجابياً. وبالتالي ستكون هذه بوابة العبور للكثيرات غيري.
كيف تستطعين تنظيم وقتك بين التحكيم والهندسة؟
حرصت والدتي منذ صغري تدريبي على ضرورة تقسيم وقتي بين اللعب، والدراسة، والتحكيم. مع تجنب أن تطغي واحدة منهن على الأخرى. ومنذ ذلك الحين وأصبح هذا هو أسلوب حياتي، وباتت الرياضة شيء أساسي. ولا يجب أن تطغى على أي جانب آخر. وما يساعدني حقاً الآن أن زملائي بالعمل يقدرون طبيعية حياتي ويتعاونون معي.
حدثينا عن الصعاب التي قابلتك خلال مسيرتك هذه؟
أرفض تسميتها بالصعاب، ولكن يمكن أن نطلق عليها تحديات. فكان من بينها عدم تقبل المجتمع وجود فتاة بمنصب الحكم. ولكني أعتقد أنني استطعت تغيير ذلك، من خلال تقديم صورة مشرفة لي بالملعب.
هل حبك للرياضة من الممكن أن يجعلك تنصرفين عن فكرة بيت وعائلة؟
منزل الفتاة هو مملكتها، وبالطبع كلاً منا يجب أن تحرص على أن يكون لديها أسرة تتواجد وسطها. ولكن أيضاً هذا لا يعني أن تهمل الفتاة حياتها الشخصية والعملية وكذلك طموحها. اعتقد أن الأمران لا يتعارضان مع بعضهما. فالنجاح بالعمل والرياضة لا يغني عن تكوين بيت وعائلة.
برأيك ما أكثر ما تحتاجه الفتيات لتحقيق ذاتها بالمجتمع الشرقي؟
أعتقد أن كل ما يحتجن له هو فقط الدعم والتشجيع ممن حولهن، بدءا من الأسرة وحتى الأصدقاء.
وماذا عن رسالتك لجميع الفتيات؟
أود أن أخبرهن أنهن قادرات على فعل كل ما يرغبن به. مهما كان المجال الذي يودون العمل به. كما أوصيهن بعدم الإستسلام للإحباط. أو لهؤلاء الذين يخبرونهن أنهن فتيات ولن يستطعن أن يحققن شيئاً. فقط استمعن لحلمكن وآمنوا به واسعوا واجتهدوا لتحقيقه.