عندما تدخلين مكان جديد، لا يكون لديك أي فكرة عما ستواجهينه ولم أعرف ماذا علي أن أتوقع. هل كنت خائفة؟ يجب أن أعترف أني كنت مرعوبة! هل تركت هذا يظهر؟ حاولت قدر استطاعتي أن أتصنع المظهر القوي. كان أول يوم لي في العمل الجديد مليء بالمفاجآت ولم يكن لديّ أي توقعات على الإطلاق، فأنا في النهاية في بلد مختلفة ببيئة مختلفة تماما عما تعودت عليه.
كان الكعب العالي لحذائي يصدر صوتا ملحوظا بمجرد أن دخلت الشركة ووجدت الجميع ينظرون إلي. هاي، نعم أنا الموظفة الجديدة، لا يوجد داع لتحدقوا في هكذا، ولكن ابتسامة صغيرة قد تساعد قليلا.
فتاة الاستقبال: صباح الخير، هل بإمكاني مساعدتك؟
أنا: صباح الخير، أنا لوسي هممم...
فتاة الاستقبال: نعم، أنت الفتاة الجديدة؟
أنا: نعم.
فتاة الاستقبال: هاي، أنا ماريان. تشرفت بمقابلتك. اتبعيني...
اتبعتها وأوصلتني لغرفة ممتلئة. واو، هذه الشركة أكبر مما تخيلت. قد يكون هذا شيئا جيدا ولكن هذا يعني أيضا أنه يجب علي أن أبذل مجهودا مضاعفالكي يلاحظونني. كل من كانوا في الغرفة كانوا ينظرون إليّ وكأنهم يحاولون رؤية كل تفاصيل ملابسي.
ماريان: جميعا، هذه لوسي، الفتاة الجديدة التي ستنضم إلينا. أنا متأكدة أن أحمد أخبركم عنها. لوسي، دانا ستريك المكان وستعمل معك عن قرب.
نظرت لدانا بابتسامة ولكنها لم تهتم أن تبتسم لي. من يحتاجها لتكون لطيفة، أنا لا أهتم. هذا ما قلته لنفسي ولكنها لم تكن الحقيقة.
أنا: هاي دانا، سعدت بمقابلتك.
دانا: أنا أيضا. اعطيني بضع دقائق لأنتهي مما أفعله وسأتفرغ لك.
بضع الدقائق تحولت لنصف ساعة ولكني بقيت منتظرة لأكون مهذبة، فالموظفة الجديدة لا يجب أن تكون مشاكسة من اليوم الأول لها. فقريبا سأبدأ في عمل صداقات هنا، أو هذا ما أتمناه. اصطحبتني دانا في جولة وعرفتني بالكثير من الأشخاص حتى أني لا استطيع تذكر كافة الأسماء. العديد من الجنسيات والطباع المختلفة ولكني كنت عازمة على أن أجد أحد يمكنني التواصل بحرية معه. أخيرا استلمت مكتبي بعد ساعتين، الكمبيوتر الخاص بي، وكتلة من الملفات التي يجب أن أدرسها لأفهم المزيد عن العملاء.
دانا: يمكنك سؤالي فقط إن كان الأمر ملحا، فأنا لا أملك الكثير من الوقت كما تعرفين.
واو، يبدو أنها *****! تأكدت حينها أننا لن نكون أصدقاء. نظرت حولي قبل أن أبدأ في العمل ورأيت فتاتين تنظران تجاهي وتضحكان! نظرت لهم باستغراب وفي الحال تظاهران بأنهما يعملان. يبدو أن هناك من يتصرف وكأنه لا يزال في المرحلة الإبتدائية. رائع، حقا رائع!
بعد مرور ساعتين، كان هناك الكثير لأفعله وكنت متحمسة لأنتهي من كل الملفات في أسرع وقت لأبدأ العمل الفعلي. أتمنى أن يكون ذلك في خلال اليومين القادمين. كان المكتب هادئا، الجميع شديدي التركيز في العمل وهو شيئا أعجبني. كنت على وشك أن أضع السماعات في أذني، إلا أن الهدوء التام تحول لضجيج. نظرت حولي ورأيت أحمد، مديري الجديد وصديق جيوفاني. هل تتذكرون اليوم الذي أخبرتكم فيه أن جيوفاني هو الذي رتب لي مقابلة العمل؟ كان أحمد لطيفا جدا معي لأنه -كما ذكر في كلامه حينها- يثق في جيوفاني وسيرتي الذاتية كانت قوية.
أحمد: أهلا لوسي، نحن سعداء لانضمامك إلينا.
أنا: أشكرك، وأنا أيضا.
أحمد: هل ساعدتك دانا؟
أنا: نعم، كثيرا.
أحمد: أعتقد أنها أفضل من بإمكانه مساعدتك في فهم كل شيء.
نعم، فهي تتعرف معي بدناءة! بالتأكيد ليس بإمكاني قول هذا ولكن هذا لا يعني أني لا أستطيع التفكير فيه.
أكمل حديثه وقال: "دانا، لا تعاملي لوسي وكأنها جديدة هنا، فإن لديها خلفية قوية في العلاقات العامة. خذيها معك اليوم للاجتماع مع العميل X. أعتقد أن ملاحظاتها ستساعد كثيرا."
نظرت دانا إليه وأومأت برأسها ولكني لاحظت أنها لم تكن سعيدة بهذا الوضع. ابتسمت لها ولكن مرة ثانية لم تبتسم لي. حسنا، أنا أحاول معاملة الآخرين كما علمني والداي حتى وإن كان هذا سيكون رد فعلها. سأحاول كسبهم بالمعاملة الحسنة، وإن لم أفلح، بالتأكيد سيرون وجهي الآخر قريبا. في اللحظة التي خرج فيها أحمد من المكتب، سمعت الكثير من الفتيات يثرثرن بعبارات مثل: هو جذاب جدا، أتمنى لو لم يكن متزوجا، ابنته لطيفة جدا ولكن زوجته ليست جميلة، إلخ...
يجب أن أقر أنه جذاب، ولكن الطريقة التي تحدثن بها الفتيات عبّر كثيرا عنهم. عرفت لاحقا أن اسمائهن هي : رانيا، دانييلا، ياسمين ومي. كان هناك فتاة واحدة تجلس بجوارهن لم تقول رأيها بهذه الطريقة السطحية بل ظلت صامتة. قد يكون جيدا أن أتحدث معها قليلا بعد العمل، تبدو جيدة.
دانا: هيا بنا يا جميلة، يجب أن نذهب للاجتماع.
أنا: حسنا.
دانا: إذا ما هي خبرتك؟ لماذا يقول أحمد أن لديك معرفة كبيرة عن العلاقات العامة؟
أنا: لأن هذه هي الحقيقة.
دانا: حقا، وهل لديك مشكلة في التعامل مع الآخرين أيضا؟
أنا: مشكلة في التعامل مع الآخرين؟ هذا ما كنت سأقوله عنك أنت.
دانا: نعم لدي مشكلة ولكن هذا لا يعني أني أكرهك. أنا فقط أعطي لنفسي بعض الوقت لأتمكن من معرفة إن كنت ستروقين لي أم لا. إن الذين يعملون هنا ليسوا ألطف الناس. وإن تعاملت معهم بلطف، هذا يعني أنك قد تكوني ضعيفة. ثقي بي في هذا الأمر، فأنا أعمل هنا منذ فترة كبيرة.
أنا: لن أجادلك ولكن ثقي بي أنا لست كذلك على الإطلاق. أنا أكره التصرفات اللئيمة التي تتعامل بها بعض النساء. أيضا أنا جديدة هنا، ألا ترين أنه من العادل أن تعطيني فرصة؟
دانا: أرأيت؟ ما قلتيه الآن يظهر ضعفا وهذا سيجعلهم يفترسوك. لا تقولي مثل هذا الكلام.
نظرت إليها ولم أتمكن من تحديد هل كلامها هذا بنية طيبة أم لا، ولكن أيهما كان، فأنا لا أملك الوقت لأفكر في هذا الأمر. الآن أنا سأحضر اجتماعي الأول ويجب أن أعطيه كامل تركيزي. قامت دانا بتعريفي للعميل وأخذ يتحدث ما يقرب من نصف ساعة دون توقف. واو، كيف لأحد أن يتحدث كل هذا الوقت؟ حاولت مجاراته وبقيت صامتة لأركز وأراقب ما يحدث بينما كنت أدون ملاحظاتي الخاصة. عندما حان الوقت أخيرا لدانا أن تتحدث، تحدثت عن فكرة رائعة لهم، وأقول أنها رائعة لأني تذكرت أني فكرت في فكرة مشابهة في القاهرة لأحد عملائنا وحققت نجاحا.
العميل: دانا، نحن نؤيد الأفكار الجديدة ولكن المشكلة تكمن في أن هذه الفكرة ليست بالجودة التي يجب أن تكون عليها. كان أمامك الكثير من الوقت للتحضير لها، ولكن إعطاء فكرة كهذه فقط ليس كافيا للحصول على النتائج التي نحتاج إليها لعلامتنا التجارية.
هم حقا قاسيين! انتظرت منها أن تتحدث وتدافع عن فكرتها ولكنها لم تفعل. بل كانت تحاول التفكير في أفكار جديدة لتحوذ على إعجابهم. حينها فكرت أنه يجب علي ان أقول شيئا. أعرف أني الفتاة الجديدة، ولكني لم أتمكن من معرفة معلومات مفيدة وهامة وكتمها.
أنا: من فضلكم، أنا فقط أريد أن أضيف شيئا واحدا.
نظرت دانا تجاهي بنظرة جامدة وكأنها توجه سهاما إلى جبهتي. احتجت للحظات حتى أجد الكلام الصحيح وأكمل حديثي.
أنا: أعتقد أن الفكرة التي اقترحتها دانا رائعة. أنا لا أقول هذا فقط لأننا فريق عمل واحد، ولكني أتحدث عن خبرة سابقة.
شرحت لهم أننا قمنا بتطبيق شيئا مثل هذا من قبل والخطوات المختلفة التي يجب أن نأخذها. هذا بالإضافة للنتائج التي حققناها من خلال هذا التفعيل. كنت أتحدث بسرعة بالغة، جزئيا بسبب التحمس الزائد والجزء الآخر كان من خوفي أن أفسد الأمور. وبعد أن أنتهيت أخذت نفسا عميقا جدا...
العميل: مذهل، لنعمل على فكرة دانا إذا. ستعملان كلاكما معا عليها، أليس كذلك؟
دانا: بالطبع.
انتهى الاجتماع ولم أكن متأكدة من رد فعلها. فقد تحاول أن تجعل كل من في الشركة يكرهوني ظنا منها أني أحاول أن أتلقى الفضل على عملها أو قد تقدر ما حدث. هي من الصعب فهمها.
بمجرد أن دخلنا المكتبنا، نظرت إلي ثم سلمت عليّ بحماس وهي تقول: "من الممكن أن نكون فريقا رائعا! الآن أعطيك الإذن لتسأليني عما تريدين أكثر إن كنت تجدين صعوبة في العمل أو أي شيء من هذا القبيل."
أخيرا! أصبحت تتعامل جيدا معي بطريقتها الخاصة حتى وإن كانت غريبة ولكن على الأقل فهي تحاول. استغرقت ساعتين أخرتين لأراجع الملفات التي كانت أمامي ثم حان موعد الرحيل. دانا مشت قبلنا لأنها كانت تحتاج للذهاب إلي اجتماع آخر خارج المكتب.
رانيا، دانييلا، ياسمين ومي والفتاة الخامسة، التي لم أكن قد تعرقت عليها شخصيا ولكني كنت معجبة بها، أتوا تجاهي.
رانيا: سأقدم لك نصيحة، لا تعملي بالقرب من دانا، فهي ستطعنك في الظهر.
أنا: ماذا؟
رانيا: أنا متأكدة أنك سمعت ما قلت. أنا فقط أنبهك حتى لا تقولين أنني لم أحذرك.
ابتسمن لي ثم رحلوا.
رانيا: ريتا هل أنت قادمة؟
ريتا (الفتاة الخامسة): لحظة، سأقابلكم في البهو.
أنتظرت قليلا ثم ابتسمت وقالت لي: "هاي، أنا ريتا. سعدت بلقائك يا لوسي."
أنا: أنا أيضا. لقد كنت أتساءل طوال اليوم عن اسمك.
ريتا: طوال اليوم؟ هيهيهيي
أنا: قد أكون أبالغ قليلا ولكن السؤال خطر على بالي.
ريتا: أنا أعشق المصريين بطريقة لن تتخيلينها. أمي مصرية وأبي لبناني وعادة ما نذهب إلى القاهرة في الصيف. ما رأيك في دبي حتى الآن؟
أنا: تعجبني، ولكني لم أكون رأيا حاسما بعد.
ريتا: لا أظن أنه عليك الاستماع لما تقوله رانيا. هي جيدة ولكن بينها وبين دانا عداوة. لا أعلم السبب لأني نسبيا جديدة هنا أيضا. انضممت للشركة هنا منذ خمسة أشهر، حينها كنت الفتاة الجديدة أيضا وعشت فترة صعبة معهم.
أنا: والآن أنا الموظفة الجديدة ويبدو أنهم سيحاولون العبث معي.
ريتا: ثقي بي، هذا ما سيفعلونه. ولكن على الأقل أنت أفضل مني لأنك تعلمين مسبقا، أنا لم يكن لدي فكرة على الإطلاق. لا تقلقي، فأنت الآن مدعمة من داخل دائرتهم.
أنا: لنرى ما سيفعلون...