لقد نشأنا على أن أكثر شخص يحبك في هذه الحياة ويتمنى لك الأفضل دومًا هما والديك. وحقًا لا بأس في ذلك، فهم قرروا إنجاب طفل لهذه الحياة والعمل بجهد لتربيته وتقديم له كل ما يريده وبالتأكيد لديهم هدف وحيد وهو حياة أفضل لهذا الطفل. ولكن رغم ذلك، قد يتسببون دون قصد فيما يسمى بالضغط النفسي على الأبناء، نعم هذا المصطلح متواجد بالصحة النفسية، والأطباء والمتخصصين النفسيين لديهم مئات الحالات لأبناء يعانون من العديد من المشاكل النفسية بسبب الضغط الذي يتعرضون له من الأهل، والذي في الغالب لا يراه الأهل ويعتبرونه اهتمام وخوف على أبنائهم. وإذا واجهت أحد الوالدين بحقيقة ما يعانيه ابنه/ابنته ستجده يرد عليك قائلًا هل تمزح! كيف يهدد الأهل الصحة النفسية لأبنائهم؟ لذا نحن هنا اليوم لنجيب تحديدًا على هذا السؤال، لعلنا ننير الطريق أمام جميع الآباء والأمهات ليدركوا أهمية الحفاظ على الصحة النفسية لأبنائهم.
تنويه: "منذ أيام أقدمت إحدى الفتيات الشابات على الانتحار بسبب الخوف من الأهل، بعدما وقعت ضحية للابتزاز من قبل شخص ما قام بتركيب صورها على صور مخلة، ونظرًا لخوفها الشديد من الأهل، ومدى يقينها بأنهم لن يصدقونها قررت أن تنهي حياتها"
الفرق بين رعاية الأبناء الصحية وغير الصحية؟
نعم، هناك رعاية أبناء وتربية غير صحية بالمرة. حقًا، نحن هنا ليس لنلقي اللوم على الأهل، فهم بشر يخطئون، وربما لأنهم نشأوا بهذه الطريقة فاعتبروا أنها صحيحة، ولكنهم سيصبحون ملامون بالتأكيد إذا لم يسعوا لتصحيح أخطائهم، بعدما أصبح الجميع اليوم يتحدث عن التربية الإيجابية وقواعدها وأساليبها. والآن دعنا نعرف الفرق بين رعاية الأبناء الصحية وغير الصحية...
أولًا: رعاية الأبناء الصحية
يمكننا أن نلخص مفهوم التربية الإيجابية أو الصحية في بعض الكلمات وهي (التشجيع، التفاعل، الاهتمام، الاطمئنان) كما ترى كلها كلمات إيجابية، ربما تكون قد شعرت بالراحة وأنت تقرأها الآن. فإذا كان لديك طفل وقومت بتشجيعه بدلًا من تأنيبه لعدم حصوله على الدرجات النهائية، أو شعرت أنه يخفي شيء ما وقمت بتطمينه ليخبرك هذا الشيء، بدلًا من تهديده وتخويفه، وغيرها من الأفعال الإيجابية، فبالتأكيد بهذه الطريقة ستبني جسور من التفاعل الآمن برفقة طفلك. فلن يشعر بالتهديد أو أن والدته أو والده أصبحوا مصدر ضغط عليه، وأنه يشعر طوال الوقت بأن أي غلطة صغيرة، قد تنهي حياته. بل على العكس، ستجده منفتحًا معك، ويتخذك والد/ والدة وصديق أيضًا.
_______________________________________________________
إليك>> تجربة إحدى الأمهات مع معاناة ابنتها من الـ ADHD
_______________________________________________________
ثانيًا: رعاية الأبناء غير الصحية
هي بالضبط عكس كل ما ذكرناه بالأعلى، فوضعك لابنك تحت ضغط متواصل بأنه يجب أن يكون الطفل المثالي، الذي يحصل على الدرجات النهائية دومًا، والذي لا يناقش والديه في قراراتهما، والذي لا يعبر عن رأيه، ولا يعلو صوته، وغيرها من المحاذير، سيجعل منه شخص مهزوز وضعيف الشخصية، وللمفاجأة ستجده يكذب ويخفي أسرار، ستجد شخصيته مختلفة تمامًا مع الغير عن شخصيته معك. ستجد لديه شعور بالفشل المستمر، لأنه دومًا يشعر بأنه لا يحقق الأهداف التي وضعتها له. وبالتالي ستجده تحت ضغط دائم ومتواصل.
إذًا، لماذا يضغط الآباء على الأبناء؟
أعلم أنك تفكر الآن، في السبب أو الدافع الذي يجعل الآباء يفعلون هذه الأمور مع أبنائهم. سأوضح لك بعض الأسباب ولكن للعلم فهي ليست مبررات، ووجودها لا يعني تمامًا أن الضغط على الأبناء هو شيء مقبول ومبرر...
١- المكانة الاجتماعية والشكل الاجتماعي
للأسف الوالدين دومًا يخشون من أن يهدد أبنائهم مظهرهم أو وضعهم الاجتماعي بفعل أو تصرف خطأ. ويريدون دومًا أن يكون أبنائهم صورة مشرفة لهم، يغض النظر عن حقهم في التجربة وارتكاب الأخطاء. فالاهتمام بكيفية نظرة المحيطين بهم إليهم، يمكن أن تجعل الآباء يجهلون المواهب الحقيقية لأطفالهم. فتعريفهم للنجاح والتميز في الغالب يكون مبني على المعايير التي وضعها المجتمع.
___________________________________________________
١٨ علامة تحذيرية تشير إلى احتمالية إصابة طفلك بالتوحد... انتبهي لها
___________________________________________________
٢- الحياة التنافسية
التنافس قد يكون سمة مشتركة لدى أغلبية البشر، ولكنه للأسف في كثير من الأحيان يتفاقم لدرجة أنه يصبح في كل شيء وأي شيء. فالأهل يتنافسون مع غيرهم من الأهالي عن طريق أبنائهم، فهم يريدون ابنهم/ ابنتهم الأول بالمدرسة، والأول بالرياضة، والأحلى والأجمل، والأكثر تهذيبًا وغيرها من المعايير التي لا تتسبب سوى بالضغط النفسي الشديد على الأبناء.
٣- التصنيفات والخوف من الانتقاد
هناك تصنيفات وتصورات نمطية توارثناها جيل بعد جيل. فمثلًا، البعض يرى أن الفتاة ذات البشرة الفاتحة هي الأجمل، لذى إن كانت الفتاة سمراء فتقوم والدتها بوضعها تحت ضغط مستمر لتفتيح بشرتها!! مثال آخر، الشعر السلس الناعم هو الأفضل وأي طفل يمتلك شعر مجعد فهذا يعني وجود عيب به ويجب عليه إصلاحه، لماذا؟ خوفًا من انتقاد المجتمع لهم بمظهر طفلهم. وهذا شيء حقًا لا يمكنني التعبير عن مدى استيائي وانزعاجي منه، ولكن للأسف هذا يحدث على أرض الواقع يوميًا.
إذًا، ما هو تأثير الضغط النفسي على الأطفال والبالغين؟
يهدد الأهل الصحة النفسية لأبنائهم بشكل كبير عن طريق القيام بالأفعال التي ذكرناها بالأعلى، وفي الحقيقة هذا يترك أثر بالغ على الأطفال في السن المبكر وعلى البالغين أيضًا، ولكن هناك فرق في العلامات، وهي ما سنتحدث عنها في النقاط التالية...
أولًا: تأثير الضغط النفسي على الأطفال
١- كوابيس: يعكس الأطفال مخاوفهم أثناء النوم، فيمكن أن تجد لديهم كوابيس متكررة.
٢- العزلة: هذه علامة حمراء!! إذا وجدت طفلك يرفض مشاركتك بأحداث يومه، وكذلك لا يتحدث مع مدرسيه أو أصدقائه فهذا يعني أنه يعاني من الضغط النفسي.
٣- الخمول وفقدان الاهتمام: خوف ابنك المستمر من عدم تحقيق تطلعاتك، يجعله يفقد الاهتمام بكل شيء ولا يرغب حتى في أن يغادر سريره، لشعوره بأن كل ما يحدث لم يعد قادرًا على مواكبته.
٤- صعوبة في النوم: الضغط النفسي لدى الأطفال يتسبب في صعوبات النوم، لذا يمكنك أن تجدينه مستيقظًا لساعات متأخرة يوميًا.
٥- مزاج سيء: هل وجدت طفلك تنتابه نوبات من البكاء أو الغضب أو العصبية المفرطة؟ نعتقد أنه حان الوقت لمراجعة أخصائي بالصحة النفسية للأطفال.
ثانيًا: تأثير الضغط النفسي على البالغين
١- انعدام الثقة بالنفس وعدم احترام الذات: ابنتك/ابنك تنظر إليك دومًا لتعرف قدر نفسها. فإذا وجدتك تثقين بها ستثق بنفسها أكثر، وإذا وجدتك فخورة بها ستفخر بنفسها. ولكن عندما ترى العكس ستنعدم ثقتها بنفسها وينعدم احترامها لذاتها.
٢- الإصابة بالاكتئاب: إذا دخل ابنك / ابنتك في صراع داخلي مع ذاته مع عدم ملاحظتك لهذا الشيء واستمرارك بالضغط عليه، ستكون النتيجة هي الإصابة بالاكتئاب والعديد من الأمراض النفسية الأخرى.
٣- إيذاء النفس/ الانتحار: للأسف الخوف الشديد والشعور بالتهديد والاحساس بالفشل وخذلان الأهل الذي يتولد لدى أبنائك، سيجعلهم يقدمون على إيذاء أنفسهم، الأمر الذي يصل حد الانتحار.
٤- العدوانية: في أحيان كثيرة يتسبب الضغط المستمر على الأبناء في توليد شخصية عدوانية لديهم، لأنهم يرغبون في الانتقام والتعبير عن غضبهم. فتجدينه يتشاجر مع أصدقائه أو المحيطين به، يسيء معاملة الحيوانات وغيرها.
٥- المواقف الدفاعية: الضغط الدائم على الأبناء لتحقيق نجاحات ضخمة وكبيرة، يجعلهم يتخذون ما يسمى بالموقف الدفاعي. فمثلًا لن يقدم على أي فعل جديد، حتى يتفادى مطالبتك له بالنجاح والتفوق فيه.
في النهاية تذكري أن صحة الطفل النفسية هي مسئوليتك أنت ووالده والعائلة والمدرسة، ويجب أن تدافعي عنها وتحافظي عليها دومًا. حتى أن هناك مثل إنجليزي شائع يقول "It takes a village to raise a child"، ما يعني أنه يجب على مجتمع بأكمله من الناس توفير الرعاية للأطفال والتفاعل معهم بشكل إيجابي حتى يتمكن هؤلاء الأطفال من تجربتها والنمو في بيئة آمنة وصحية.
نتنمى صحة نفسية أفضل وحياة آمنة أكثر لجميع الأبناء،
مصدر الصورة الرئيسية: انستجرام @courtneyadamo