حسنًا، مازلنا حتى اليوم وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور، نحن النساء يتم اتهامنا بالمبالغة، يتم اتهامنا بأننا نريد المزيد ويُطالب منا أن نرضى بالقليل على حساب كرامتنا، مشاعرنا، صحتنا النفسية والجسدية، والمقابل؟ لا شيء. فقط افعلن ذلك لأنه مطلوب منكن. أعلم أن كلماتي قد تكون حادة بعض الشيء، ولكنكم بالتأكيد سمعتم خلال الساعات الماضية عن أحد رجال الدين المعروفين والذي حل ضيفًا على شاشة MBC مصر، والذي اتهم امرأة تشكو من إساءة زوجها لمعاملتها والتي تصل حد العنف الجسدي، بأنها تبالغ في الشكوى!! ويطالبها فقط بأن تتذكر الأشياء الجيدة التي فعلها. لقد كان الأمر مثيرًا لغضب الكثيرات على مواقع التواصل الاجتماعي، واللاتي اعتبرنه رسالة واضحة للأزواج بأن يفعلن أشياء جيدة بسيطة إلى جانب ممارسة العنف ضد الزوجة، حتى يتسنى للمرأة أن تتذكر هذه الأشياء الجيدة وتقبل بالعنف الذي تتعرض له. ولكن إن كان هذا ما يمارس ضدنا، فدعونا نحن النساء نعيد الأمور إلى نصابها الصحيح...
أولًا: شكوى النساء من العنف الزوجي ليست مبالغة
إذا كنا سنتحدث عن قضايا العنف ضد المرأة، فدعونا نبدأ حديثنا بوضع قاعدة لا مجال للتشكيك فيها وهي أن شكوى النساء من العنف الزوجي ليست مبالغة. فالمرأة التي تشكو من العنف الزوجي، يعني أنها تعرضت للعنف الزوجي، أو شعرت بأنها تعرضت لأحد أشكاله، وهي بالنهاية شكوى يجب أن نسمع لها بإنصات ونأخذها بعين الاعتبار، ولا نتهمها بالمبالغة أو تهويل الأمور. فليس شرطًا أن تكون تعرضت للضرب أو التشوية الجسدي، فالعنف له أشكال عديدة، وتحدثنا عنه آلاف المرات، فالعنف قد يكون نفسيًا مثل التهديد والترهيب، قد يكون ماديًا، كحرمانها من امتلاك حساب بنكي، أو أموال تخصها، العنف قد يأتي في صورة إذلال وإهانات لفظية، العنف قد يكون في صورة تنمر، العنف قد يكون في صورة استغلال عاطفي، هل رأيتم هناك صور عديدة للعنف، هذا يعني أن المرأة إذا اشتكت من واحدة فقط من هذه الأشياء فيعني أنها تعرضت للعنف بشكل مباشر أو غير مباشر.
فهناك واحدة من كل ٣ نساء تعرضت للعنف الزوجي أو الأسري، هذا يعني أن شريحة كبيرة من النساء في المجتمع تعرضن لأحد أشكال العنف. فكيف يمكن أن نأتي ونقول لامرأة أنك تبالغين، لمجرد أنها لم تتعرض للإيذاء الجسدي!!
_____________________________________________
ما هي أنواع العنف المختلفة ضد المرأة؟
____________________________________________
ثانيًا: الرجل العنيف أو المسيئ ليس سيئًا طوال الوقت وهذا لا ينفي كونه عنيف!!
هل تمزحون!! ألسنا بشر؟ ألسنا في الأساس شخصيات رمادية، لدينا جانبنا السيئ والجيد، ألم نخلق في الأساس لنغلب جانبنا الجيد على السيئ. أليس من المتوقع أن يكون السارق قد ساعد محتاج يومًا، هل يعني ذلك أننا سنغفر له سرقته؟! أليس القاتل، كان شخصًا لطيفًا يومًا أو تعامل مع أحدهم برفق، هل يعني ذلك أننا سنتذكر مواقفه الجيدة وننسى أنه قاتل؟! الأمر كذلك بالنسبة للرجل العنيف أو المسيء، إذا كان يسيء معاملة زوجته فهذا لا يعني أنه يسيء معاملة الجميع، ولا يجب أن نتهم الزوجة بالمبالغة لمجرد أننا رأيناه يعامل أحدهم بلطف أو أنه يلهو مع أبنائه، ولا يجب أن نغفر له إساءته لمجرد أنه له بعض المواقف اللطيفة!
الرجل المسيء لا يعني تمامًا أنه ليس له موقف واحد جيد مع زوجته، أو أنه لم يقدم لها هدية يومًا أو لم يسمعها كلمات الغزل في أحد الأيام، لا ربما يكون قد فعل كل هذا ولكن هذا لن ينفي كونه يسيء معاملتها بطريقة أو بأخرى، هذا لا ينفي أنه جعل جانبه السيء يتحكم في الطريقة التي تسير بها الأمور، وهذا شيء المرأة/ الزوجة ليست مسئولة عنه تمامًا. لذا توقفوا عن سؤال المرأة التي تشكو من العنف الزوجي، عن الأشياء الجيدة التي فعلها زوجها من أجلها. فالإساءة تظل إساءة.
ثالثًا: لا، المرأة لا يجب أن ترضى بالقليل وتتغافل عن الإساءة
حسنًا، أنا لا أعلم بأي حق يطالبنا المجتمع نحن النساء، بأن نرضى بالقليل الذي يقدم لنا ونتحمل الإساءة، دون أن يخبرنا ما مقابل هذا. حقًا، لا أعلم. كيف، كيف تطلبون من امرأة أن تتحمل الضرب والإهانة وتغفر هذا، وتتذكر نزهة لطيفة مع زوجها! كيف تطالبون المرأة بأن تغفر الإهانة اللفظية والإساءة وتتذكر كلمات الغزل التي قالها لها شريكها دومًا. هل يعقل هذا؟ هل إذا وضعنا الفعلين على ميزان واحد هل يتساوا، بالتأكيد لا.
نحن بحاجة لأن نفهم أن النساء هن -بشر- لهن الحق في حياة كريمة، يحترمن فيها ذاتهن، ويتم تقديرهن، يتم احترام حقوقهن ويقمن هن بواجباتهن هكذا يجب أن تسير الأمور، هكذا يجب أن تسير العلاقات الزوجية، ليتمكن من إخراج أجيال سوية لهذا المجتمع.
_______________________________________________________
لماذا تستمر النساء في العلاقات المؤذية؟ المعالجة النفسية ياسمين عبد الرازق تجيب
______________________________________________________
رابعًا: الدفاع عن الزوج المسيء هو العنف ذاته
تعلمون شيء، أن هؤلاء الذين دافعون عن الزوج المسيء هم بذلك يمارسون أحد أشكال العنف. فبحسب الدراسات، إن غالبية النساء اللاتي يتعرضن للعنف الأسري والزوجي، لا يقمن بتقديم شكاوى أو طلب المساعدة، والسبب الرئيسي هو أنهن يخشين العنف الأكبر الذي سيتعرضن له، وهو دفاع المجتمع عن الزوج المسيء، واتهامهن بالمبالغة، وتهويل الأمور، وعدم تقدير متاعب الزوج، بالإضافة لخلق مبررات لعنف الزوج. وهذا قد يحدث من أقرب الأقربين إلى حد بعض المسئولين مثل بعض من رجال الدين، كما حدث في الموقف الذي ذكرناه بالأعلى.
خامسًا: ألم يحن الوقت لتتوقف دائرة الأذى
الأذى والإساءة يسيران في دوائر تنتقل من جيل لجيل، فلا تتوقعوا من أبناء تربوا في بيئة تتعرض فيها الأم للعنف بأحد أشكاله أنهم سيكونوا يومًا ما أسوياء!! لا هذا لن يحدث. فهؤلاء الأبناء إما سيألفوا العنف ويتعبرونه شيء طبيعي وعادي أو ستكون لديهم شخصيات ضعيفة، فإذا كان ولد سيكبر وستزوج ويهين زوجته لأنه رأى أن والدته تقبلت ذلك وكان مألوفًا له، وإن كانت فتاة ستكبر وتتقبل الإذلال أو العنف من قبل شريكها، لأنها تولدت لديها قناعة بشكل ما أن النساء يستحقن ذلك، وهؤلاء الأبناء سيفعولن الشيء ذاته مع أبنائهم وأبنائهم سيفعلونه مع أبنائهم، وبالنهاية تصبح لدينا أجيال كاملة مشوهة وضحايا للعنف الأسري والزوجي، وأعتقد أن ما نراه الآن هو خير دليل.
لذا نعتقد أن الوقت قد حان لتتوقف دائرة الأذى، ولتكون هناك مواقف حاسمة تجاه العنف الأسري والزوجي، فهناك ضحايا كل ساعة لا نسمع عنهم وليس حتى بإمكانهن أن يصبحن ناجيات يومًا ما...