سواء اتفقت أو اختلف على مسلسل Emily in Paris فيبقى هناك جزء مضيء في النصف الأول من موسمه الرابع، وهو مناقشته للتحرش الجنسي وما تتعرض له النساء على أيدي الرجال أصحاب النفوذ والسلطة. ليس ذلك فقط، بل مناقشته للأسباب التي تجعل الناجية تتأخر في الإبلاغ والحديث عن تعرضها للتحرش الجنسي، مما يجعلنا ننظر للموضوع بشكل أعمق، ونرى جوانب أخرى من الأمر لعلنا يصبح بإمكاننا تشجيع المزيد من الناجيات على الحديث عما يتعرضن له…
لمحة على الحلقة الثانية من الموسم الرابع لـ Emily in Paris…
تظهر ميندي (آشلي بارك) الصديقة المقربة لإميلي (ليلي كولينز) وهي تدخل في صراع مع نفسها بعدما تكتشف سلوك لويس دي ليون (بيير ديني)، الذي يتحرش جنسيًا بالنساء في شركته للسلع الفاخرة JVMA. حيث يقوم الرئيس التنفيذي بانتظام بتوجيه الموظفات إلى 'خزانة العلامات التجارية' ويجبرهن على تجربة الملابس له وأمامه دون موافقتهن - وهو شكل من أشكال التحرش الجنسي وإساءة استخدام للسلطة، حيث أن هؤلاء الفتيات يصبحن مهددات بخسارة وظائفهن في حال رفضهن. وتكتشف ميندي (آشلي بارك) أفضل صديقة إميلي (ليلي كولينز) هذا السلوك خلال زيارتها للشركة في الحلقة الثانية، وهو ما يدخلها في صراع شديد خاصة وأنها تواعد ابن لويس نيكولاس (بول فورمان). ومن جهة أخرى وبالوقت ذاته اتصلت صحيفة لوموند الفرنسية برئيسة إميلي، سيلفي (الفلبينية ليروي بوليو)، وطلبت منها تسجيل روايتها الخاصة عن التحرش الجنسي التاريخي منذ أن عملت مع لويس. ويمتد الأمر حتى تقرر سليفي أخيرًا الحديث وإدلاء شهادتها فيما يخص تاريخ لويس دي ليون مع التحرش الجنسي، دون أن تعبء بأن هذا الحديث سيعرضها لسلسلة من الشاكل والتي كان أولها إنهاء شراكته مع زوجها.
إذًا: لماذا تتأخر النساء في الإبلاغ عن التحرش الجنسي؟
أتذكر جيدًا عدد المرات التي كنت فيها مع أشخاص يتعجبون من حديث امرأة ما عن تعرضها للتحرش على أيدي مدير أو زميل لها منذ سنوات، وكان السؤال الذي يطرح نفسه دومًا هو “لماذا تأخرت في الحديث كل هذا الوقت؟” وبالرغم من أنني أؤمن تمامًا أن اختيار التوقيت المثالي هو من شأن الناجية ولا يمكننا إخبارها بالوقت الذي من المفترض أن تتحدث به، ولكن هذا لا يمنع من عرض وطرح بعض الأسباب التي تكون في الغالب هي السبب في تأخر النساء للإبلاغ عن تعرضهن للتحرش الجنسي…
- الصراع مع المعتقدات الداخلية الخطأ حول العنف ضد النساء.
-الصورة النمطية بأن هذا يحدث في أغلب أماكن العمل ولا أحد يتحدث عنه والتي تجعله أمرًا طبيعيًا.
-الشعور بالتهديد بأن الحديث عن التعرض للتحرش الجنسي قد يضر بالمرأة وبوظيفتها وبحياتها بشكل عام.
-الخوف من سلطة المتحرش خاصة إذا كان ذو مكانة ومنصب عالي.
-عدم وجود الدعم من المحيطين.
-الشعور بأنه لن يتم تصديق شكوى المرأة.
-الوقوع تحت أثر الصدمة والذي يؤخر من استيعاب الأمر بشكل كامل.
-الخوف من خسارة الشريك إذا كانت المرأة في علاقة عاطفية.
وفي الحقيقة هذه ليست الأسباب الوحيدة، بل هناك سلسلة طويلة من الأسباب التي لا يمكن حصرها، فإذا سألت كل ناجية تأخرى في الإبلاغ عن تعرضها للتعرش الجنسي، ستخبرك بأسباب مختلفة. لذا نقول دومًا أن اختيار الوقت المثالي للتحدث هو من شأن الناجية فقط.
هل تأخر الناجيات في الإبلاغ عن التحرش الجنسي يجعل بلاغهن بلا قيمة؟
تعتقد الكثير من النساء أن التأخر في حديثهن عن التعرض للتحرش الجنسي، يجعل الأمر بلا قيمة عندما يقررن التحدث" فما الذي سيحدث عندما نتحدث عن واقعة تحرش حدثت من سنوات"… إلا أنه في حقيقة الأمر أن الوقت ليس متأخرًا أبدًا. فهؤلاء الرجال مازالوا على قيد الحياة، يمارسون عملهم بشكل يومي، ويحتكون بالعديد من النساء يوميًا وربما يكونوا قد ازدادوا سلطة أو أصبحوا في مناصب أكثر نفوذًا، ما يعني أن إسائتهن لغيرك من النساء قد تكون مستمرة حتى هذه اللحظة التي نتحدث فيها. لذا فإن كنت قد قررت الحديث بعد سنوات، فهذا يعني أنك تضعين حدًا لهذه السلسلة من الإساءات، ما يعني انقاذ غيرك من النساء مازلن يقعن ضحايا لهؤلاء الرجال. فإذا كنت أنت ناجية، فلما لا تنقذين غيرك؟!
لذا عندما تحدثت مجلة Le Monde في مسلسل Emily in Paris مع “سيلفي” وهي الآن في السيتينات من عمرها، طالبين منها التحدث عن “لويس دي ليون” والتي كانت قد عملت معه في فترة شبابها، كانوا يؤمنون أن حديثها سيكون مؤثرًا ولن يكون الوقت متأخر، وهي أيضًا آمنت بذلك، لذا عندما نشرت المقال وجدنا أن امبراطورية “لويس دي ليون” قد اهتزت مع وجود العديد من الشهادات ضده.
شيء آخر ركز عليه صناع المسلسل وهو شعور “سيلفي” بالراحة عند حديثها وإدلاء شهادتها، لأن الأمر كان بمثابة علاج وتخلص من انتهاكات الماضي، ما يعني أن الناجيات مهما مر عليهن الوقت، يظلن تحت تأثير هذه التروما، ويكن بحاجة لفرصة للتعبير عما مررن به. وهذا يعني أن حديث الناجيات الأكبر سنًا في مختلف المجالات عما تعرضن له من إساءات خلال رحلتهن، سيشجع المزيد من الشابات على الوقوف بقوة ضد ما يتعرضن له اليوم.
هل الدعم من المحيطين يشجع الناجية على التحدث في وقت أبكر؟
جميعنا نحتاج لوجود أشخاص محيطين بنا داعمين لنا، فما بالك بالناجيات من التحرش الجنسي! لذا بالطبع وجود دائرة دعم تحيط بالناجية تكون وسيلة لتشجيعها على التحدث عما تعرضت له في وقت أبكر. وظهر هذا في عدة ماشهد مختلفة في مسلسل Emily in Paris. فعندما رفضت “ميندي” تقبل ما يحدث بشركة “لويس دي ليون” ذهب فورًا لصديقتها “إيميلي” وأخبرتها بما يحدث معبرة عن رفضها لما تتعرض له هؤلاء النساء. في مشهد أخر عندما كانت تحاول “سيلفي” تجنب الحديث في الماضي كمحاولة لمساعدة زوجها من خلال استثمار “لويس”، أخبرتها “إيميلي” بأنها بحاجة لمراجعة نفسها في قرارها ونقلت لها ما قالته “ميندي” كل هذه الأحداث شجعت “سيلفي” بأن تتخذ الخطوة رغم مرور السنوات وتتحدث عما حدث في الماضي. لأنها وجدت غيرها من النساء يرفضن الأمر ويقفن ضده.
لذا تذكري دومًا، أن الوقت ليس متأخرًا أبدًا…