إتفقت أنا ودينا أن نذهب يوم االسبت الماضي لتناول وجبة خفيفة في المطعم الذي يتحدث الجميع عنه هذه الأيام وبينما كنا جالسين نتحدث عن العلاقة عن بعد (كما تطلق عليها) التي تجمعها ببن، حيث أنها لا تراه كثيراً مؤخراً، أحسست أنها لم تعد معجبة به والطريقة التي تحدثت بها عنه أكدت هذا الشعور.
دينا: عندما أتمكن من رؤيته، لا أشعر أني منتبهة حقاً معه، وهو لم يعد مهتماً كما كان من قبل.
أنا: لم تشعرين بذلك؟
دينا: لست متأكدة، ولكنه لا يتحدث سوى عن عمله وأخيه جيري، أنا على علاقة به هو وليس كل هذه الأشياء المملة.
أنا: يالهوي! دينا لا تتلفتي، فقط أنظري تجاهي.
دينا: ماذا يحدث؟ لماذا؟
دخل المكان رجل قوي البنية، بشعر أسود وعيون خضراء وممسكة بذراعه إمرأة شقراء. لم تكن المشكلة هنا أن هذا الرجل وسيم، وإنما كان هذا الرجل هو خطيب دينا السابق، ولم أكن أعرف كيف أقول لدينا أنه هنا، فقد عانت كثيراً لتتمكن من نسيانه، أو على الأقل هذا ما قالته لنا، ولكني لا أعتقد أنها نسته حقاً.
أنا: لا تنظري إلى يميني، إنه حسين.
دينا: يالهوي! ماذا أفعل؟ هل أمثل وكأني لا أبالي؟
إحتجت بعض الوقت لأجد إجابة لهذا السؤال، فأخر ما أتذكره عن هذا السافل كان عندما إنفصل عن دينا وكان يتجاهل كل محاولاتها للإتصال به حتى أنه قام بتغيير رقم هاتفه.
أنا: لا، أعتقد أنه من الأفضل أن نرحل.
دينا: لكنه إذا رآنا قد يعتقد...
أنا: من يهتم لإعتقادات هذا الحيوان؟ خذي مفاتيح سيارتي وانتظريني هناك، سأدفع الشيك وألحق بك.
لم تجادلني كثيراً، أعتقد أنها كانت مرتبكة جداً. رأيتها تلقي نظرة سريعة تجاهه وقد لاحظت البلهاء التي كانت تجلس بجواره، ولكنها إستطاعت أن تخرج من المكان دون أن يراها، الحمد لله! كنت أتمنى أن يحدث هذا معي بمجرد أن دفعت الشيك ولكنه رآني.
حسين: لوسي، هل هذا أنتِ؟
نعم أنا أيها الحثالة! هل أتجاهله وأرحل؟ لا هذا أسلوب الأطفال.
أنا: نعم.
حسين: كيف حالك؟
أنا: بخير.
حسين: سعيد أني قابلتك.
نظرت إلى ساعتي وكأني أحتاج أن أذهب إلى موعد، وأتمنى أن يكون فهم أني لست مهتمة أن أتحدث معه أكثر من هذا.
حسين: كيف أحوال صديقتك دينا؟
أنا: تقصد خطيبتك السابقة دينا؟ هي في أفضل حال!
حسين: هذا جيد. أريد أن أعرفك بزوجتي لارا.
لارا: سعيدة بمعرفتك.
أنا: أنا أيضاً. أنا مضطرة أن أرحل، لدي موعد.
دون أن أنتظر اجابتهم، رحلت مسرعة، وكان واضحاً من النظرة التي كانت على وجه دينا أنها علمت أني تأخرت لأنه كان يتحدث معي.
دينا: ماذا حدث؟
أنا: لا شيء، حاولت أن أرحل دون ان يلاحظني، ولكني لم أفلح.
دينا: ماذا قال لكِ؟
أنا: لا شيء هام، فأنا لم أجيب على أي شيء.
دينا: لوسي، أنا فتاة كبيرة وأستطيع التعامل مع الأمر.
أنا: هل أنت متأكدة؟
دينا: نعم، تحدثي الآن.
فكرت للحظات ثم قررت أن أقول لها كل شيء، وكنت أتمنى أنها تستطيع إحتمال هذا حقاً. بدت وكأنها بخير ولكني أعرفها جيداً، فهي كانت على وشك الإنهيار في البكاء وبالأخص بعد أن سمعت أنه متزوج.
دينا: هل يمكنك إيصالي إلى المنزل؟
أنا: بالتأكيد، هل تريدين أن أمكث معك هناك؟
دينا: أسفة، ولكني أفضل أن أكون بمفردي الآن.
أعطيتها المساحة التي كانت تحتاج لها ولم أتحدث كثيراً حتى وصلنا إلى بيتها. كان واضحاً عليها أنها كانت تفكر في ذكراياتهم معاً كما كنت أنا أتذكر عندما كانت دينا وحسين في علاقة منذ أول سنة في الكلية. أنا أعرف دينا منذ سنوات طويلة، فعائلتينا مترابطة منذ زمن بعيد، وقد كنت دائماً أعتبرها في مثابة أخت كبرى. هل تتخيلون دينا في دور الأخت الحكيمة المسئولة؟ دينا التي تعرفوها الآن ودينا السابقة هم شخصيتين مختلفتين كليتاً، إنها قصة مؤثرة جداً. هي لم تكن يوماً ساذجة مثل حبيبة مثلاً، ولكنها كانت من الشخصيات البريئة، وحسين بالنسبة لها كان يمثل لها عالمها بأكمله، وكانت أحاديثها وتفكيرها يقتصر عليه ولكنها لم تكن يوماً مملة. عندما قابلته لأول مرة، لم أشعر براحة تجاهه، شعرت أنه لم يكن شخص جيد، فقد كان واضحاً من عينيه. بعد التعرف أكثر عليه، كانت شكوكي تتأكد أكثر وأكثر، فلم يعاملها جيداً مطلقاً، كان يتجاهلها وفي بعض الأحيان كان يهينها في أماكن عامة، ففي رأيي هو قليل الذوق. لقد كان يستغل حبها له فيطلب منها أن تقوم بأشياء تافهة مثل مساعدته في مشروع تخرجه والذهب لقضاء مشاوير خاصة به، أنا أعلم أنه يجب على الفتاة أن تكون مساندة لحبيبها، ولكنه إستغل مساعدتها بشكل زائد.
أنا لم أفهم مطلقاً كيف أنها لم تلاحظ هذا، فأنا لطالما أحسست أنها تستطيع أن تجد رجل أفضل من هذا كثيراً. ومر الوقت وتمت خطبتهم، وكانت دينا في هذا اليوم الأسعد على الإطلاق، أما حسين فقد شرب الكثير من الكحول في حفل الخطوبة وظل يرقص مع أصدقائه بدلاً من الإلتفات إليها في يوم مميز مثل هذا. أنا لا أفهم لم أقبل على الخطوبة من البداية إن لم يكن يحبها كما كان واضحاً؟ هل كان يسعى وراء مالها؟ أم وراء جسدها؟ عائلة دينا غنية جداً ولكن عائلته أيضاً غنية، مما يعني أنه كان يريد لحظاتهم الحميمة معاً، فدينا لم تتحدث عن هذا حتى إنفصلوا.
انا لن أنسى اليوم الذي إتصلت دينا بي في الساعة ٢ فجراً.
دينا: سنتزوج قريباً، يااااااااااي!
أنا: ماذا؟
دينا: نعم ما سمعتيه صحيح، فقد زار حسين أبي اليوم وإتفقوا على أن يكون موعد الزواج بعد ٤ أشهر.
أنا: هل تعتقدين أن ٤ أشهر كافية لتنظيم حفل الزفاف الخلاب الذي تمنيتيه دوما؟
دينا: نعم، يمكن تحقيقه، أنت لا تعرفين كم أنا سعيدة.
مسكينة دينا، لم تكن تعلم كم ستسوء الأمور، فبعد هذا اليوم بدأ كل شيء يهدم. أصبحت سفالته لا تحتمل، فقد تشاجروا أمامي في مرة وهو تحدث معها بطريقة عدائية جداً وأمسك بذراعها بخشونة، وعندما حاولت التدخل بينهم لأجعله يتعامل معها بشكل أفضل، أصبح يحاول أن يقلل من مقابلاتي بدينا. لقد كرهت هذا الحيوان ولم يكن أمامي سوى التحدث معها في محاولة أن أجعلها تفيق مما هي فيه، فهي إمرأة جميلة ولا تستحق أن تعامل بهذه الطريقة! لم تستمع لي وفكرت أن أقول لأمها، ولكن باقي أصدقائنا نصحوني أن لا أفعل هذا، فمن الممكن أن تقاطعني دينا إذا قمت بشيء مثل هذا.
جاء بيلي مرة إلي وقال أنه رأى حسين في ملهى ليلي مع فتاة أخرى وكان يقبلها. صدمت جداً مع أن هذا أمر متوقع من شخصية مثله، وحاولت أن أقول لدينا ولكنها رفضت أن تستمع لي. إبتعدت أكثر عني حتى إتصلت بي في مرة قبل زفافها بشهر.
دينا: لوووسيي، أنا لا أصدق! (كان صوتها يبكي)
أنا: اهدأي، ماذا حدث؟
دينا: لقد نسى هاتفه في سيارتي، لم أكن أعرف أنه نسيه حتى وصلته رسالة.
قالت لي عن الرسالة، والتي كانت من الفتاة التي رآها بيلي مع حسين في الملهى، ثم فتحت صندوق الوارد ووجدت الكثير من الرسائل من فتيات مختلفة. هي بالتأكيد كانتفي حالة صدمة شديدة. هو سافل بكل معنى الكلمة.
أنا: دينا، تحدثي مع والدك على الفور، فهاذا السافل لا يستحق مكالمة مواجهة حتى.
يبدو أنها لم تستمع إلى نصيحتي، كما قالت لي فيما بعد. ففي هذا اليوم، قامت دينا بالإتصال به وواجهته، فثار جداً وأسرع إلى منزلها ليأخذ هاتفه، وظل يصرخ في وجهها وإنتها الأمر بأنه ألقى خاتم الخطوبة في وجهها. لم تتحدث دينا عن تفاصيل هذا الموقف الأليم، ولكني متأكدة أنه حدث الكثير أثناء هذه المشاجرة.
إستغرقت دينا 3 سنوات حتى إستطاعت أن تنسى حسين، وكما قلت، أنا لست مقتنعة أنها نسته بالكامل، فقد تفادى مكالمات والدها حتى أنه غير رقم هاتفه وعرفت من بعض الأصدقاء أنه كان ينشر الإشاعات عن دينا ويقول أنه إنفصل عنها لأنها لا تطاق. دخلت دينا في حالة إكتئاب، وحاولنا أن نسعدها ولو لوقت قليل. من هنا بدأت أرى الحياة وكأنها علبة مملوءة أيس كريم، فكنت معتادة أنا ودينا أن نأكل الأيس كريم أثناء تذمراتنا عن الحياة كل أسبوع. هل يمكنكم أن تلوموها على تحولها للشخصية التي أصبحت عليها الآن؟ فنحن ندعوها بآكلة الرجال وهي تتلاعب بالرجال يشكل كبير الآن، فقد تحولت دينا إلى شخص مختلف بالكامل، بمظهر خارجي جاف وأسلوب "أنا لا أهتم بكلام الأخرين" والتظاهر بالقوة. هي تغيرت كثيراً، هذا حقيقي، ولكن في داخلها أنا واثقة أنها لا تزال الفتاة البريئة التي تهتم بالأخرين. أعتقد أنها تظن أنه عندما تظهر بمظهر قوي فلن يستطيع أحد أن يجرحها مرةً ثانيةً، ولكن هذه هي الحياة، ولن يستطيع أحد أن يمنع هذه الأشياء من الحدوث.
كنت على وشك أن أبعث لها برسالة لأطمئن عليها، عندما رن هاتفي.
دينا: هاي!
أنا: كنت على وشك أن أبعث لك برسالة، هل أنت بخير؟
دينا: أفضل بكثير، بكيت كثيراً ولكني أدركت كم أنا محظوظة. لو لم يكن قد نسى هاتفه في سيارتي، كان من الممكن أن أكون متزوجة منه الآن أو الأسوء من هذا، كان من الممكن أن أكون مطلقة. أنا حقاً محظوظة.
أنا كنت سعيدة جداً لسماعي كلامها هذا، فقد قضت وقت كبير حتى وصلت إلى هذه المرحلة، ولكنها وصلت أخيراً. نهاية الكلام، هو أنك إذا كنت تعيشين علاقة مسيئة لكِ، إبتعدي في الحال، حتى وإن كنت تحبينه وتعتقدين أنه الأصلح لك، لأن في الواقع لا يمكن أن يكون الأصلح لك إذا كان يتعامل معك بهذه الطريقة. خذي بنصيحتي وإبتعدي قدر إستطاعتك!