وصلت القاهرة خلال أجازة
العيد وأول شيء أردت فعله هو إخبار أصدقائي بالخبر السعيد. أخيرا أنا في علاقة
جادة مع رجل أحبه جدا. بالتأكيد كان يجب عليّ أن أخبر حبيبة وجها لوجه، فهي من
عرفني على فيصل ولكن أولا كان يتعين عليّ إخبار دينا. فهي الأقرب إلى قلبي كما
لاحظتم من قبل.
انتظرت حتى يأتى وقت الظهيرة وفكرت أنه الوقت الأنسب لأذهب وأخبرها المفاجأة بنفسي. فتح أباها الباب وسلم علي بابتسامة عريضة. منذ أن تركتهم زوجته (والدة دينا) ولم يعد المنزل إلى سابق عهده. هو ليس مبهج مثلما كنت أتذكره ولكني سعدت بأن أراه مبتسما مرة أخرى.
والد دينا: لوسي، سعيد بمقابلتك مرة ثانية. من فضلك تحدثي مع دينا، فهي ليست بخير منذ بضعة أيام.
أنا: حقا؟ ما بها؟
والد دينا: أتمنى لو كنت أعرف، فهي لا تتحدث أبدا معي عن أي شيء.
أنا: أين هي؟
أشار والد دينا تجاه حجرتها فذهبت إليها وعلى وجهي ابتسامة كبيرة ولكني رأيتها تجلس في أحد أركان الغرفة وتحدق في هاتفها.
أنا: دينااااا، وحشتيني أكثر مما تتخيلين.
دينا: لوسيييي، أنا سعيدة جدا لرؤيتك. لم أكن أعلم أنك قادمة إلى القاهرة. إنها حقا مفاجأة مذهلة.
أنا: نعم، فلدي أخبار سعيدة أردت أن أخبرك بها بنفسي.
دينا: قولي لي ما هي، أريد أن أعرف.
أنا: فيصل تقدم لي بطريقة غاية في الرقة وسوف يقابل والداي غدا.
نظرت لي بابتسامة كبيرة، والتي تحولت سريعا إلى حزن ثم رأيت دموعا.
أنا: أرجوك قولي لي أن هذه دموع فرح.
دينا: بالطبع، كل ما في الأمر هو أني أمر بظروف سيئة مؤخرا. أنا سعيدة أنك عدت وأخيرا بإمكاني التحدث مع أحد عن هذا الأمر.
أنا: عن ماذا؟ لقد قال والدك أنك لست على طبيعتك في الفترة الأخيرة. أخبريني ما الأمر؟
دينا: إن أخبرتك، لن تحكمي علي ولن تخبري أحدا على الإطلاق؟
أنا: لا داع لتقولي هذا، هل حدث وأخبرت سرك لأحد من قبل؟
دينا: هذه المرة الوضع مختلف يا لوسي. فهو يفوق ما يمكنني تحمله، وأكثر بكثير مما يمكن لوالدي تحمله أيضا.
أنا: ما هو حبيبتي؟ أشعر بالقلق الشديد من كلامك.
دينا: أنا حامل.
أنا: أنت ماذا؟ كيف؟ أنا أعرف كيف، ولكن أقصد كيف سمحت لنفسك بفعل هذا؟ كنت أظن أنك تخطيت هذه المرحلة يا دينا!
دينا: هل رأيت؟ أنت تحكمين عليّ. إن كنت أنت، أقرب شخص إليّ تحكمين عليّ، فماذا سيفعل الآخرين؟
أنا: أنت محقة، أنا آسفة. لم أقصد كلامي بهذه الطريقة ولكني مصدومة جدا، هذا كل ما في الأمر. قولي لي كيف تشعرين، وهل أنت متأكدة؟
دينا: لقد وعدت نفسي بأني لن أقيم علاقة مع رجل مرة ثانية، ولكني لا أتمكن من بناء صلة قوية مع أحد أواعده فينتهي بي الأمر بأن أقيم علاقة معه. أعرف أني إنسانة سيئة وأكره هذا أكثر مما تتخيلي. منذ شهر ونصف كنت أواعد رجلا اسمه زياد، وانتهى الأمر بنا في الفراش. بعد بضعة أيام لاحظت أعراض ما قبل الدورة الشهرية تظهر مبكرة عن موعدها، ففكرت بأن حدوث ذلك جاء بسبب الضغوط الكبيرة التي أمر بها في عملي وأنه ليس بأمر هاما. ولكن لم يحدث شيئا لمدة أسبوعا كاملا. أو بمعنى أدق حدث شيئا واحدا، بدأت أشعر بإرهاق شديد بالإضافة إلى غثيان، أعراض الحمل.
أنا: يا الله! لا أصدق أنك كنت تمرين بكل هذا بمفردك. لماذا لم تتصلي بي وتخبريني بكل هذا؟
دينا: كنت أشعر بالخوف والخجل من نفسي. ومازلت يا لوسي. منذ ذلك الحين والأعراض تزداد غرابة وبدأت أشعر بالرهبة، وأفكر كثيرا جدا بشكل زائد ولكن لم أقدم على التأكد من خلال تحليل حمل. حاولت أن أطلبه من خلال الإنترنت لأني كنت شديدة الخجل من أن أشتريه من الصيدلية ولكني خفت أن يراه أبي عندما يصل. هل تتخيلين ما قد يحدث له إن علم بشيء مثل هذا؟
أنا: هل أنت متأكدة أنك حامل؟ هل قمت بعمل الاختبار؟ يمكنني أن أذهب وأشتريه لك، فلا مانع لدي.
دينا: نعم قمت بعمل الاختبار منذ أسبوعين. كان موعد الدورة الشهرية قد مر عليه أكثر من أسبوعين وبدأ الذعر يتملكني حتى أني لم أتكمن من التركيز في عملي. ذهبت للصيدلية واشتريت عبوتين. كنت في غاية الإحراج يا لوسي. ظهرت نتيجة كلا الإخبارين بالإيجاب. ماذا أفعل؟ لا أستطيع التفكير منذ ذلك الحين.
أنا: هل تحدثت مع زياد؟
دينا: نعم، وهو يدعمني جدا. قال لي أنه سيكون بجانبي مهما كان قراري، ولكني قلت له أني بحاجة إلى التفكير مرة ثانية ومنذ ذلك الحين وأنا أتهرب من مكالماته. أنا لا أحبه حتى يا لوسي، لماذا فعلت هذا بنفسي؟ أنا حقا لا أرى قيمة نفسي.
أنا: لا تقولي هذا، فأنت تقسين على نفسك كثيرا. جميعنا نخطئ بأشكال مختلفة، وما حدث حدث بالفعل فلا فائدة من معاقبة نفسك.
دينا: إذا أنت لا تعتقدين أني شخص سيء؟
أنا: بالتأكيد لا! أنت تعرفين هذا في داخلك. أنت فقط أخطأت.
دينا: بل كررت الخطأ مرارا وتكرارا مثل الأغبياء.
أنا: أقسم بالله إن استمريت في القسوة على نفسك هكذا سأخرج من الغرفة الآن ولن أقف بجانبك حتى. الجميع يخطئون، فإن كان الله يغفر لنا، ألا تعتقدين أنه يمكنك التساهل قليلا مع نفسك؟ لا أحد من حقه أن يحكم عليك. والآن لنكون عقلانيين قليلا. ما هي الخيارات التي أمامك؟
دينا: أقراص الإجهاض أعتقد.
زاد بكاء دينا وأخذت أكثر من خمس دقائق أحاول أن أجعلها تهدأ، ثم بحثت على الإنترنت عن ما هي أقراص الإجهاض وأعراضها الجانبية قبل أن أوافقها الرأي.
أنا: ما توصلت إليه هنا هو أنه لا مانع من استخدامها طالما لا تزالين في مرحلة مبكرة من الحمل.
دينا: ولكن ماذا إن لم أكن أريد فعل هذا؟
أنا: ماذا؟
دينا: أنت لا تفهمين، فأنا لم أكن يوما متعلقة بأي شيء أو أي شخص من قبل. منذ فترة كبيرة جدا وأنا أحاول أن أغير هذا الأمر ولكن لم يفلح شيء. وعندما أجد رجل يحبني بجنون ويرغب أن يفعل أي شيء من أجلي، لا أعطيه أي اهتمام لأني لا أشعر تجاهه بالمثل. طفلي هو أول ما شعرت نحوه بالارتباط وهذا جعلني غاية في الحساسية. في داخلي، أريد حقا أن أتمسك به، فهو يستحق أن يعيش. سأكون أم أفضل بكثير لهذا الطفل عما كانت أمي بالنسبة لي. لا أريد أن أخذ أقراص الإجهاض وأتخلى عنه مثلما تخلت أمي عني.
أنا: هذا وضع مختلف يا دينا. لا تدعي مشاعرك تخفي عنك التفكير السليم. سيكون لك طفل ولكن في الظروف الصحيحة في وسط عائلة كاملة.
دينا: من قال هذا؟ لم أكن يوما في علاقة عاطفية جيدة، فمن قال أن العائلة ستكون أفضل للطفل؟ أردت التحدث مع أبي في هذا الأمر وأعرف أنه سيتفهم في النهاية.
أنا: لا لن يتفهم يا دينا. عقلك يخدعك.
دينا: ولكن يا لوسي، أنا مرتبطة جدا به أكثر من أي شيء في حياتي كلها. أنت لا تفهميني ولا أعتقد أنك ستفهميني.
نظرت إليها ولم أكن أعرف ما أقول لها لأغير رأيها. ولكني أدركت أن هذا ليس مكاني لأحاول وأغير رأيها عن قرارها الحالي. طلبت منها أن تتصل بزياد لأتحدث معه وبعد إقناع وافقت. بدأت أولا بتقديمي إليه ثم أعطتني الهاتف.
أنا: هاي زياد. (خرجت إلى غرفة المعيشة وأغلقت الباب خلفي.)
زياد: هاي لوسي. لا أصدق أنها اتصلت بي أخيرا. كنت أحاول الوصول إليها منذ فترة.
أنا: نعم، دينا تميل إلى الإختفاء عندما تصاب بالذعر. هي تحتاج لوقت خاص بها حتى تستطيع التفكير، ولكن يبدو أنها لم تبدأ في التفكير بطريقة صحيحة بعد. أعتقد أن هذا هو السبب الذي لم يجعلها تتصل بك حتى الآن. هل تعرف أنها تفكر في الاحتفاظ بالطفل؟
زياد: حقا؟ هذا رائع!
أنا: حقيقي؟ لماذا؟
زياد: في البداية عندما سمعت الخبر كنت في حالة صدمة. ولكن بعد ذلك بدأت أفكر من منظورها هي وتحمست حتى أني تحدثت مع والداي. وبعد أن وبخوني كثيرا طلبوا مني أن أفعل الشيء الصحيح تجاه دينا ولهذا كنت بحاجة إلى التحدث إليها.
أنا: ولكن هل تحبها؟
زياد: ليس بالمعنى التقليدي، وهي أيضا تشعر بالمثل تجاهي. ولكنها تعني الكثير لي وقد كنا أصدقاء لفترة قبل أن أطلب منها أن نتواعد. صراحة لا أعلم، ومن الصعب تحديد مثل هذه الأمور في ظروف كهذه. هل يمكنك أن تجعليها تتصل بي؟
أنا: نعم، أيضا خذ رقمي، فأنا سأكون في القاهرة لبضعة أيام في حالة إن لم تتمكن من الوصول إليها واحتجت أن تطمئن عليها.
رجعت لدينا وأخذتها في حضني. هي حقا مسكينة، فلا أستطيع أن أصف الفوضى التي تسببت فيها، إضافة إلى حيرة مشاعرها التي بالتأكيد لا تجعل الأمر أسهل. كيف ستتمكن من مواجهة كل هذا؟ هل ستستطيع إتخاذ القرار الصحيح؟ في هذه المرحلة لا يوجد صح أو خطأ وأتمنى أن تتمكن من الوصول للحل الأنسب لها. بقيت معها لبضع ساعات ووعدتها بالذهاب معها إلى الطبيب لعمل الكشف الأول، حتى أني سأمد أجازتي لأتمكن من المكوث بجانبها وتقديم الدعم لها قدر استطاعتي.
في طريقي للعودة إلى منزلي، ظللت أفكر في مقولة ما. لم تترك ذهني لحظة واحدة بالأخص لأني لم أتمكن من قولها لدينا لأنها كانت ستبدو قاسية جدا وهي لم تكن بحاجة لمزيد من القسوة. المقولة هي: الجنس سهل. لما لا نجرب الحب لمرة...