أثار انتباهي في الحلقة السابعة من مسلسل "لعبة نيوتن"، إطلالة من "التَلّىِ" لسيدة أنيقة في الحفل الذي أقامه بدر (سيد رجب) في منزله. اللقطات كانت خاطفة لكنها كانت كافية لأستمتع بجمال قماش التَلّىِ، الذي ميز هذه الإطلالة. والطبع فقد زاد ذلك من فضولي لمعرفة المزيد عن الشخصية التي ترتديه، إذ بدا واضحاً أنها تدرك وتقدر قيمة ما ترتديه.
ببحث بسيط أدركت أنها كريمة منصور، واحدة من أهم رواد الرقص المعاصر في مصر ومؤسسة مركز القاهرة للرقص المعاصر. كريمة هي خريجة أكاديمية الفنون بالقاهرة، كما أنها حاصلة على درجة الماجستير في الرقص المعاصر من مدرسة لندن للرقص المعاصر. كما عملت مدرس مساعد في معهد الباليه، ومعلمة في مسرح دار الأوبرا المصرية. هنا أدركت، أن كريمة بالفعل تقدر ما ترتديه ولابد من أنها تحب هذه القطعة من التَلّىِ!
معرفتي بالتَلّىِ بدأت منذ سنوات بعيدة، عن طريق جدتي التي كانت تمتلك شال تعتز به من قماش التَلّىِ الأسود بخيوط فضية كان قد ورثته عن والدتها. فبدأت أسال وأبحث عن هذا القماش الرقيق من التل، وسأشارككم ما أعرفه عنه في السطور التالية...
معلومات عن فن التَلّىِ ورحلته إلى العالمية
١- قماش التَلّىِ، هو نوع من التطريز لقماش التل. عادة يكون التل المشغول من اللون الأسود أو الأبيض. يتم شغل التل بموتيفات أو أشكال هندسية معينة، بأشرطة معدنية رقيقة من الفضة الخالصة. هذه الأشرطة المعدنية تعكس الضوء فتصبح متلألئة مع كل حركة يقوم بها من يلبس هذه القطعة. ويستخدم البعض أيضاً الأشرطة الذهبية.
٢- كل موتيفة أو شكل من أشكال التطريز له معنى، لذا كانت الأم قديماً في العائلات الثرية تشغل فستان لابنتها من التَلّىِ بأشكال هندسية معينة. فالفستان هنا يصبح كوصية من أم لابنتها، فالأشكال تحمل رسالة. وكانت الأم تهديه لابنتها أو قد تمنحها فستانها.
٣- لبس العديد من المشاهير التَلّىِ بدءاً من أسمهان، ثم تحية كاريوكا في بدل الرقص. كما ظهرت يسرا، إسعاد يونس، ومنى الشاذلي في قطع كالفستان. بل تعدى ذلك إلى مشاهير عالميين مثل الممثلة باربرا سترايسند التي ارتدت فستان من تصميم كريستيان ديور بقماش التَلّىِ، الأميرة ياسمين أغاخان، الأميرة سلمى أبنه الملك عبدالله ملك الأردن، النجمة هيدي لامار، النجمة إليزابيث تايلور، بالإضافة لبروك تشيلدز وكاتي ماكجريث سواء كان ذلك في أدوارهم الفنية أو في الحياة العامة.
٤- أشهر الأماكن على مستوى العالم المعروفة بصنع التَلّىِ هي محافظة أسيوط، بمصر. وإذا بحث في الإنجليزية ستجد ما يسمى بـ "فستان أسيوط أو أسيوط دريس" وهو ما يعني بالعربية فستان التلي. وإن كان في الأصل مركز صناعة التَلّىِ هي شندويل بسوهاج.
٥- فن التَلّىِ هو من الفنون المصرية القديمة التي كادت أن تختفي، لولا أن أحياه بيت التَلّىِ بأسيوط الذي أسسه الفنان التشكيلي سعد زغلول. ويرجع ذلك لقصة طريفة فقد زارت إحدى الباحثات الإنجليزيات أسيوط عام 1992 ومعها صورة لقماش موجود في أحد المتاحف الإنجليزية، ومذكور على القماش أنه مصري الصنع. حاولت الباحثة الوصول لأي شيء عن هذا القماش لكنها لم تستطع الوصول لشيء. حتى وصل الأمر الفنان التشكيلي سعد زغلول الذي بدأ في البحث حتى توصل لسيدة عجوز في سوهاج تجيد هذا الفن. فبدأ في توثيقه وتعليم فتيات على يد هذه السيدة حتى لا يندثر هذا الفن. وبالفعل فهناك عدة مراكز تراثية تبيعه الآن.
في النهاية، التَلّىِ هو من التراث المصري القديم وامتلاك قطعة منه قد تكلفك الكثير من الأموال، لكنها قطعة تضيف لدولابك ويمكن تنسيقها بعدة طرق سواء كانت في شكل فستان أو شال من التَلّىِ. كما أنها سوف تمنحك إطلالة متميزة من وحي التراث المصري. وهي لن تتقيد أبداً بموضه أو فصل أنما هي دائماً ستظل موجودة.