حبيبة: يا
الله، أنا متوترة جدا!
أنا: كل شيء بخير أيتها العروس الخلابة. يتبقى بضع دقائق فقط على حفل زفافك ولا أريدك أن تفكري في شيء سوى الاستمتاع بكل لحظة. أعدك أننا سنتولى أمر كل شيء آخر.
أومأت كل من دينا ومنى معبرين عن موافقتهم لما قلت. كنت متوترة بعض الشيء أيضا، في الغالب بسبب حرصي على أن يسير كل شيء على ما يرام في يوم حبيبة الهام. ولكن السبب الثاني كان أني سأرى بيلي بعد مدة كبيرة جدا.
حبيبة: تتذكرون يا بنات الرقصة، بكل حركاتها؟
دينا: أحفظها عن ظهر قلب وقد أدخل عليها بعض الحركات المثيرة أيضا ليستمتع المتفرجون.
حبيبة: أرجوك لا تفعلي هذا هاهاها
أنا لست من النوع الذي تفيض مشاعره في حفلات الزفاف ولكن عندما رأيت حبيبة ورفيق في الزفة وجدت عيناي تدمع قليلا. حينها كان فيصل، صديق رفيق، بجانبي وينظر لي بطريقة غريبة.
فيصل: واو، لم أكن أعلم أنك درامية إلى هذا الحد.
أنا: اصمت!
فيصل: حسنا. لنقوم بهذه الرقصة حتى نتخلص من حملها. هيا بنا؟
امسك بيدي بمجرد أن بدأت الموسيقى الخاصة بالرقصة التي قمنا بإعدادها لحبيبة. كانت مفاجأة بالنسبة لي أننا لم نفسدها تماما. لم يكن الرقص مع رجل في الأربعين من عمره تجربة سيئة، فكان واثقا في كل حركة من الرقصة. نظرت إلى دينا منتظرة أن تدخل حركاتها الغريبة على الرقصة، ولكنها كانت مستمتعة جدا فلم تحاول أن تفسد مظهرنا جميعا. الحمد لله، انتهينا من الفقرة! بعدها مباشرة كان موعد مرور حبيبة ورفيق على الضيوف ليلقوا عليهم التحية مما أعطاني الفرصة لأحضر كوب ماء من أقرب مائدة وجدتها أمامي. نظرت حول القاعة باحثة عنه ولكني لم أراه في أي مكان. هل من الممكن أن يفوته فرح حبيبة؟ هذه ليست من عاداته أبدا! قاطع لحظة تفكيري تربيت أحد ما على كتفي ويليه صوت يقول: "من الرائع رؤيتك أيتها الغريبة!"
أنا: من الجيد رؤيتك أيضا.
بيلي: هل رجعت من دبي وستستقرين هنا؟
أنا: لا، سأعود مرة ثانية في خلال أيام قليلة. كيف حالك؟
بيلي: أنا بخير، ولكني أفتقد وجودك هنا.
أنا: لا تكذب عليّ.
بيلي: أنا لا أكذب! هذه هي الحقيقة سواء اخترت تصديقها أم لا.
أنا: كفى هذا الكلام، هل يمكننا أن نتعامل مع تواجدنا في نفس المكان مثل الراشدين وندع كل المشاعر السابقة خلفنا؟
بيلي: إذا أنت تطلبين مني أن أكون منافقا.
أنا: أنا أطلب منك أن تتحمل مسؤولية أعمالك. توقف عن التصرف مثل الأولاد الصغار وتعامل كرجل ولو مرة واحدة في حياتك. لا يمكنني الدخول في هذا الآن، سأذهب للرقص.
مشيت بعيدا في اتجاه دينا التي كانت الوحيدة التي ترقص بجنون.
دينا: أخيرا! كنت أعتقد أني الوحيدة هنا التي تعرف كيف تستمتع بوقتها. لنقوم ببعض الحركات البلهاء ونحرج حبيبة.
أنا: هيا بنا...
أخذنا نرقص بجنون مثل الدجاج ودون أن نلاحظ، بدأ الضيوف ينضمون إلينا واحدا تلو الآخر. لا أتذكر أخر مرة أفلت الزمام واستمتعت لهذه الدرجة. رقصت لمدة ثلاث ساعات متواصلة، لم أتوقف خلالها سوى للحظات عندما احتجت أن أجلب لحبيبة كوب من الماء أو مناديل. كان يبدو عليها السعادة وبدت جميلة جدا كما كان فستانها غاية في الروعة. للحظة شعرت أن الزواج ليس أسوأ ما قد يحدث، بل أن العثور على الشخص المناسب والزواج منه قد يكون مثيرا جدا. رأيت بيلي ينظر تجاهي كثيرا جدا ولكن أعتقد أني كنت مذنبة مثله تماما، لأن سبب ملاحظتي له هو أني كنت أنظر إليه أيضا. ثم توصلت إلى الاستنتاج أن أيا كان الماضي، فهو في الماضي لسبب محدد ولا يجب تحت أي ظرف أن يعاد فتحه.
فيصل: أنت تعلمين أنك ترقصين مثل الدجاجة، أليس كذلك؟
أنا: واو، يا لها من مجاملة رقيقة.
فيصل: ماذا أقول، فأنا فقط صديق جيد.
أنا: لا لست كذلك.
فيصل: ولما هذا؟
أنا: لأنك لو كنت صديقا جيدا لكنت رقصت مثل الدجاجة أيضا.
ضحك بطريقة هستيرية وفجأة بدأ يرقص وكأنه طفل في الخامسة من عمره. أعشق أن أرى أحد ما يسخر من نفسه فمن الممتع جدا أن يتخلى عن الجدية الشديدة من الحين للآخر. توالت الأغاني الرائعة وأصبحت الأمور أكثر جنونية بمجرد أن بدأت أغنية "Twist Again" بتوزيعها الجديد. لم ألاحظ حتى أنه حان موعد البوفيه كما لم يلاحظ أحد ممن كانوا يرقصون. لم أنتبه للألم الذي كنت أشعر به في قدمي إلا عندما كانت ستلقي حبيبة بالبوكيه. حقيقة أكره فكرة أن تقف الفتيات في صفوف حتى يحاولوا التقاط بوكيه العروس ولهذا كان أول ما فعلته هو الابتعاد عن هذا الصف.
أمي: لوسي، ألن تحاولي التقاط البوكيه؟
أنا: لا يا أمي، هل أبدو يائسة لهذه الدرجة؟
أمي: يقولون أنه يجلب الحظ! كما أن حبيبة بالتأكيد تريدك أن تنضمي للفتيات الواقفات خلفها. قفي معهم ولو حتى في سبيل المرح، ولا تعلمين، قد يكون الدور القادم من نصيبك.
بدأت أتذمر في سري ولكني كنت أعلم أني يجب أن أقف معهم. الحمد لله لم يكن البوكيه من نصيبي ولكنها كانت دينا.
دينا: لا! لا أريد أن أكون التالية.
أنا: هاهاهاها، قد لا يكون هذا شيئا سيئا.
دينا: هل بدأت تغيرين رأيك؟
يجب أن أقر بأن حفل الزفاف هذا كان الأكثر مرحا ومتعة على الإطلاق. استمر الحفل لبضع ساعات أخرى ثم كان على حبيبة ورفيق أن يرحلا ولكن لم يتوقف الدي جي لذا لم أتوقف عن الرقص، كما لم يتوقف أيا من دينا، منى، فيصل وبضع أشخاص آخرين. الحمد لله أن بيلي كان قد رحل.
دينا: هيا بنا نرحل، لا استطيع الوقوف أكثر من هذا. الآن أرجوك!
أنا: حسنا يا ملكة المبالغة. لحظة سأحضر أشيائي.
قام أغلب أصدقاء العروسة والعريس بحجز غرف في الفندق لأننا كنا متأكدين أننا لن نتمكن من القيادة إلى منازلنا بعد ليلة حافلة كهذه. عدنا إلى غرفنا وأخذت حماما سريعا، وعندما خرجت وجدت دينا غرقة في النوم وتشخر قليلا. كنت على وشك تصوير هذا المشهد الرائع بالفيديو ولكني تلقيت رسالة على الفيسبوك.
فيصل: هل ستنامين؟
أنا: لا أشعر بالنعاس، فيما تفكر؟
فيصل: أريد أن أخرج قليلا لتدخين سيجارة. هل تريدين الانضمام إلي؟
أنا: حسنا، سأراك في البهو بعد عشر دقائق.
نظرت لنفسي في المرآة وقررت أنه لا مانع من النزول دون مكياج، فأنا لا أحاول إثارة إعجابه أو ما شابه.
فيصل: يا لها من بيجاما راقية.
أنا: هذه ليست بيجاما.
فيصل: أسف، تبدو وكأنها بيجاما.
أنا: تذكر أني هنا للترفيه عنك ولا يجب عليك أن تعكر صفو من يرفه عنك.
فيصل: سأتذكر هذا.
أنا: هل استمتعت اليوم؟
فيصل: لم استمتع هكذا منذ فترة طويلة جدا. حقا كنت بحاجة لقضاء وقتا كهذا وأنا سعيدا جدا أن أرى رفيق يحظى بنهاية سعيدة أخيرا.
أنا: هل ستتحول إلى شخص رقيق الآن؟
فيصل: من يتحدث الآن عن الرقة؟ الفتاة التي تتظاهر أنها أقوى من الجميع.
أنا: أنا حقا قوية.
فيصل: لا لست كذلك، فأنت مثل القطة الصغيرة.
أنا: لا تدعوني بهذا!
فيصل: إذا من كان الرجل الذي كنت تتشاجرين معه في حفل الزفاف؟
أنا: كيف لاحظت هذا؟
فيصل: كنت أشرب الماء صدفة عند المائدة التي بجانبكما.
أنا: هو فقط ولد أحمق.
فيصل: ولد؟ هو يبدو كرجل ناضج بالنسبة لي.
أنا: نعم، ولكن السن لا يهم في تحديد إن كان الشاب رجلا أم مازال ولد صغير، بل يتعلق بالتصرفات.
فيصل: هذا كلام عميق ويعجبني. إذا في رأيك، ما الاختلاف بين الرجل والصبي؟ يهمني أن أسمع رأيك في هذا الأمر.
أنا: هل أنت مستعد؟
- الولد هو من يهتم بذاته فقط، ولكن الرجل يهتم بمشاعر الآخرين.
- الولد لا يعرف معنى "جدير بالثقة"، ولكن الرجل يقدر ويحترم من يعطيه ثقته.
- الولد يبالغ ويتشاجر ويسبب الفوضى في أي خلافات قد تحدث، ولكن الرجل سيتصرف بعقلانية.
- الولد لا يتحمل مسؤولية تصرفاته ويلقي باللوم على أي شيء أو أي شخص آخر سوى نفسه، ولكن الرجل يعتذر ويتحمل المسؤولية كاملة إن أخطأ.
- الولد لا يعرف ماذا يريد، فهو مشتت، في لحظة يريد شيئا ما بشدة وفي اللحظة التي تليها لا يهتم على الإطلاق. ولكن الرجل يأخذ وقته ليفكر في الأمور كثيرا وعندما يتخذ القرار يكون واضحا فيه ويسعى إليه.
- الولد يلجأ إلى الألعاب، ولكن الرجل يقدر الصدق.
- الولد يتحدث ويحلم طوال الوقت بأفكار رائعة، ولكن الرجل يقوم بعمل خطوات لتحقيقها.
- الولد سيحاول إلقاء اللوم عليك إن كنتم في نقاش محتدم، ولكن الرجل سيعرف كيف يتعامل مع أسلوبك الحاد ويشرح الأمور مليا وعدة مرات حتى تصلان إلى نتيجة مرضية.
- الولد لديه الكثير من الأشياء التي تسبب له عدم الثقة بالنفس مما سيجعله غير واثق في شريكة حياته، ولكن الرجل يعرف قدر نفسه ويفهم أنه اختار شريكة حياته لأنه يمكنه الوثوق بها فلا يبالغ في غيرته أبدا.
- الولد سيلح كثيرا ليجعلك تفعل ما يريد، ولكن الرجل سيحاول إقناعك بالمنطق.
- الولد يهتم بمظهرك الخارجي بشكل زائد وسيضايقك كثيرا إن شعر أنك لا تهتمين بنفسك كما يتوقع منك أن تفعلي. ولكن الرجل يقدرك كما أنت ويفهم أن الجميع يمرون بأيام مزدحمة، وإن ضغط عليك في شيء سيكون الهدف أن تأخذي وقتا للراحة التي أنت بحاجة إليها.
فكما ترى، قد يكون الشاب في الستين من عمره ولكنه لا يزال يتحلى بعقلية الصبيان، وللأسف هذا يعني أنه لن يتغير أبدا.
فيصل: واو! من الجيد أنك تعرفين كل هذا في عمرك. ولكن من كان الشاب الذي جرحك بهذا الشكل؟ كما أنك نسيت شيئا آخر...
أنا: ما هو؟
فيصل: الولد يشعر بالذعر عندما تسوء الأمور، ولكن الرجل دائما ما يبقى ويواجه أية مصاعب.
أخذت ما قاله بمحمل شخصي جدا. قد يكون أكثر من اللزوم، والسبب هو أن هذا ما أفعله تحديدا طوال حياتي. أهرب بدلا من أن أواجه.
فيصل: ما الأمر؟ هناك نظرة غريبة في عينيك.
أنا: اكتشفت للتو أني أتظاهر بالحكمة وأنتقد الشباب، إن كانوا رجال أم صبيان، وفي نفس الوقت أنا مازلت عالقة في مرحلة الفتاة الصغيرة.
فيصل: إذا غيري هذا الأمر. الآن بعد أن اختبرت لحظتك الفارقة الأمر بيدك كليا، أليس كذلك؟
أنا: نعم!