جاسمين كمال 
الولادة القيصرية... نعم مازلنا حتى اليوم نتحدث بين الحين والآخر عن خطورة الولادة القيصرية غير الضرورية، ولكن رغم كل هذا نعتبر من أعلى الدول في معدلات الولادة القيصرية، وهو ما يعرض نساء كثيرات للخطر النفسي والجسدي. لذا ومع انطلاق مبادرة اوقفوا الولادة القيصرية غير الضرورية، قررنا أن نعيد الحديث مرة أخرى عن مخاطرها الصحية والنفسية، فربما نساهم ولو بجزء بسيط في الحفاظ على حقوق النساء في الولادة الطبيعية...
تحدثنا في البداية مع "مي الشامي" المرأة التي تقف وراء مبادرة اوقفوا الولادة القيصرية غير الضرورية...
"الطبيب ليس له الحرية المطلقة في تحديد الحالة الصحية للمرأة الحامل ولا يجب أن يكون المصدر الأول والأخير للمعلومة بأي شكل من الأشكال."
- في البداية نود أن نعلم كيف جاءت فكرة المبادرة؟
الفكرة كانت بالأساس نتيجة لتجربة شخصية مررت بها. فقد كنت على وشك أن أخضع للولادة القيصرية غير الضرورية، ولكن كوني كنت قد قرأت الكثير عن مخاطرها وعلمت بأن حالتي الصحية ليست من المفترض أن تخضع لهذه الولادة وأنه بإمكاني أن أخضع للولادة الطبيعية، بالإضافة إلى وجود طبيبي بجواري، كل هذا جعلني أرفض تمامًا القيصرية وأنجب ابني بولادة طبيعية. ومنذ ذلك الوقت وأنا اتخذت قرار بضرورة توعية النساء بمخاطر الولادة القيصرية غير الضرورية وكيف يمكنهن الحفاظ على حقهن في الولادة الطبيعية، وبما أنني صحفية بالأساس وحاليًا أدرس دبلومة إعلام بالجامعة الأمريكية، فكان علي أن أقدم مشروع تخرج، لذا اخترت أن يكون انطلاق مبادرة اوقفوا الولادة القيصرية غير الضرورية مشروع تخرجي.
- وبرأيك ما الذي يدفع الأطباء لإجراء الولادة القيصرية غير الضرورية بدلًا من الطبيعية؟
هناك أسباب عديدة ولكن دعيني أسرد لك بعضها سريعًا:
١- الولادة القصيرية تكلفتها أعلى من الطبيعية وهذا يعني مكسب أعلى للطبيب ولمستشفى الولادة.
٢- الولادة القيصرية تأخذ وقت أقصر بكثير، ما يعني أنه يمكن للطبيب توليد أكثر من امرأة في اليوم الواحد.
٣- الولادة القيصرية تعتبر نسبيًا أقل خطورة من حيث المضاعفات أو انتقال العدوى أثناء الولادة، ولكن مضاعفتها تكون أشد قصوة بعد الولادة. وبالتالي فإن الطبيب يختارها لضمان الآمان بسهولة دون النظر للحالة الصحية للأم فيما بعد.
- على أي أساس تعتمد مبادرة "اوقفوا الولادة القيصرية غير الضرورية" في المعلومات التي تقدمها؟
تعتمد المبادرة منذ يومها الأول على أشخاص موثوقين من أطباء نساء وأخصائين تخدير وأطباء ومعالجين نفسيين من داخل مصر وخارجها لتوعية النساء بشكل كافي وإمدادهم بالمعلومات السليمة، كما أننا نعتمد على المعايير الدولية فيما يخص الحديث عن مخاطر الولادة القيصرية غير الضرورية.
- وما الهدف الذي تسعين إليه من وراء اطلاق هذه المبادرة؟
هناك العديد من الأهداف من وراء هذه المبادرة...
الهدف الأول: هو أن يكون لدى النساء الوعي الكافي بجميع المعلومات التي يجب عليهن معرفتها خلال فترة الحمل وحتى لحظة الولادة، والتي تساعدهن في اتخاذ قرار الولادة (الطبيعية/ القيصرية) بشكل أفضل ويكون على أساس واعي.
الهدف الثاني: التواصل مع اليونيسيف ووزارة الصحة والجهات المعنية ليكون هناك بعض التوصيات، كوجود لجنة مراقبة وحماية للأطباء، فمن جهة حتى نشجع الطبيب على إجراء الولادة الطبيعية فيجب أن نوفر له بيئة صحية وآمنة حتى يستطيع القيام بعملية التوليد الطبيعية بشكل آمن للنساء دون التعرض لخطر العدوى أو غيره، ولكن من جهة أخرى مراقبتهم في حال إجرائهم ولادة قيصرية، فيجب أن تكون هناك أسباب صحية حقيقية ومثبتة لدى المرأة دفعته لذلك.
__________________________________________
كيف تختارين مستشفى الولادة بطريقة صحيحة؟
_________________________________________
الهدف الثالث: تشجيع النساء على مناقشة طبيبها وطرح الأسئلة بحرية تامة عليه لمعرفة كل ما يخص حالتها الصحية والحفاظ على حقهن في تلقي الإجابات اللاتي يبحثن عنها، وكذلك تشجيعهن على تغيير الطبيب في حالة عدم الشعور بالأمان أو الثقة تجاهه أو عدم إيجاد هذه الإيجابات وعدم اتخاذ الطبيب على أنه المصدر الأول والأخير للمعلومة.
الهدف الرابع: هو مساعدة النساء في اختيار الطبيب ومعرفة المؤشرات التي تخبرهن بضرورة تغيير الطبيب وعدم الاستمرار معه.
كذلك تحدثنا مع المعالجة النفسية بخلفية جسدية ياسمين مدكور لتحدثنا عن تأثير الولادة القيصرية على الصحة النفسية للمرأة...
"الولادة القيصرية غير الضرورية هي انتهاك واضح وصريح بحق المرأة"
- في البداية نود أن نعرف الفرق بين تأثير الولادة القيصرية والطبيعية على الصحة النفسية للأم؟
أولًا: دعيني أخبرك أن الولادة القيصرية في العموم سواء كانت ضرورية أو غير ضرورية ما هي إلا عملية جراحية، والمعروف أن العمليات الجراحية تضع الجهاز العصبي للشخص تحت ضغط شديد بشكل غير طبيعي، لأنه يتأهب لما يحدث ويشعر بالخوف في أشد مراحله. فهو يعلم أن هناك مشرط سيحدث جرحًا عميقًا بجسده. وهذا التأهب أو الضغط العصبي يحدث في أي عملية جراحية أخرى، ولكنه هنا يزداد لأنه بطبيعة الحال يشتد توتر وخوف الأم عندما تحين لحظة الولادة. لذا فهي بلا شك تؤثر على الحالة النفسية للأم. على عكس الولادة الطبيعية، فهي عملية طبيعية تمامًا تعرفها أجسامنا تلقائيًا منذ لحظة ولادتنا وتؤهل نفسها جيدًا لهذه المرحلة، فمهما بلغت آلامها فيظل الجسم يعرفها، ولكن العمليات الجراحية هي شيء "دخيل على الجسم" لا يعرفه وبالتالي يشعر بالخوف والتوتر الشديد منه. وأنا أقول دومًا أن الولادة القيصرية غير الضرورية ما هي إلا انتهاك واضح وصريح بحق المرأة.
- ولماذا تصفين "الولادة القيصرية غير الضرورية" بالانتهاك أو الاعتداء على المرأة؟
في الحقيقة هناك العديد من الأسباب التي تجعلني أصف الولادة القيصرية غير الضرورية بأنها انتهاك بحق المرأة، أبرزها:
١- حرمان الأم من حقها في الاختيار وفرض عليها طريقة معينة للولادة عن طريق معلومات مضللة.
٢- خضوع الجهاز العصبي للمرأة لضغط عصبي شديد دون داعي.
٣- حرمان الأم من التمتع بكامل صحتها لفترة طويلة بعد الولادة حتى يلتئم الجرح.
٤- عدم قدرة الأم على الاستمتاع بأمومتها والاعتناء بطفلها بعد الولادة، نظرًا لآلامها الشديدة.
٥- إذا كان المحيطين بالأم ليسوا على علم كافي بصعاب الولادة القيصرية فهم أيضًا يضعونها تحت ضغط شديد ولا تتلقى الدعم الكافي منهم.
_________________________________________________
العنف أثناء الولادة: ١٥ شيء يحق لكل امرأة رفضهم أثناء الولادة
_________________________________________________
- هل يمكن أن تزيد فرصة الإصابة باكتئاب ما بعد الحمل مع الولادة القيصرية؟
دعيني أخبرك أن اكتئاب ما بعد الحمل يمكن أن يصيب الجميع باستثناء طريقة الولادة، ولكنه يمكن أن يزيد بشكل أكبر بالطبع مع الولادة القيصرية. نتيجة لأن الأم تمر بشيئين أصعب من بعض، الأول وهو اختبار تجربة الأمومة وهي شيء جديد تمامًا تتعلمه وتكتسبه الأم وليس "غريزة فطرية" كما يعتقد البعض، والثاني هو أنها تتعامل مع آلام الولادة القيصرية والتي بالطبع تؤثر على حالتها النفسية، فكما تعلمين الآلم الجسدي ليس منفصل عن الصحة النفسية. بل إذا عانى الجسم من آلم انعكس بدوره على الحالة النفسية.
- برأيك كيف يمكن أن تؤهل الأم نفسها للولادة القيصرية إذا كانت حالتها الصحية تتطلب ذلك؟
بالطبع إذا كانت الحالة الصحية للأم تتطلب ولادة قيصرية هناك يكون الأمر ضروري، ولذا عليها أن تؤهل نفسها جيدًا...
١- إذا شعرت بأي لحظة بأنها لا تثق في الطبيب أو في المعلومات التي يقدمها لها عليها تغييره فورًا.
٢- أن تحرص على اختيار الطبيب الذي سيقوم بتوليدها، فالراحة النفسية هنا شيء ضروري.
٣- يجب ألا تضع الأم توقعات غير منطقية، فبعض الأمهات يعتقدن أنهن بعد الولادة سيستعدن سريعًا صحتهن ويعتنين بأنفسهن وبالطفل وبالمنزل وبكل شيء، بل يضعن توقعات هائلة حول قدرتهن على تربية الطفل وتلبية احتياجاته بسهولة وبالتالي عندما يصطدمن بالواقع، يتولد لديهن شعور بأنهن أمهات غير جيدات، ويشعرن دائمًا بأنه كان بإمكانهن فعل المزيد وهو ما يضعهن تحت ضغط عصبي شديد وبحالة نفسية سيئة.
٤- على الأم أن تؤهل نفسها لطلب المساعدة من المحيطين بها، فتربية طفل بمفردها ليست أمرًا سهلًا خاصة في حالة الولادة القيصرية والتي لا تجعلها تتمتع بصحة جيدة لفترة طويلة. لذا لا عيب في طلب المساعدة من زوجها والدتها وغيرها.
أخيرًا، تحدثنا مع الدكتورة منى هلال أخصائية النساء والتوليد عن مخاطر الولادة القيصرية غير الضرورية...
- لماذا تخضع النساء للولادة القيصرية في العموم؟
الولادة القيصرية تحدث نتيجة لعدة أسباب نقوم نحن الأطباء بتشخصيها وتوضيحها بالتفصيل للأم ومنها...
١- وضع الطفل مقلوب وغير متخذ وضع الولادة، حيث تكون ساقه في الأصفل عند الحوض ورأسه بالأعلى. وفي حال فشل المحاولات في تعديل وضعه هنا لا يوجد حل غير الولادة القيصرية.
٢- أن يكون الجنين مستلقيًا على أحد جوانبه ويفشل الطبيب في تعديل وضعيته.
٣- في بعض الحالات تقوم المشيمة بحجب فتحة عنق الرحم.
٤- إذا كانت الأم حامل بتوأم وكل منهما يأخذ وضعية مختلفة.
٥- تقلصات الولادة لدى الأم بطيئة حتى مع إعطاء محفز للتقلصات وبالتالي عنق الرحم يفتح ببطء شديد.
٦- أن تظهر على الجنين بعض علامات الخطر في مؤشراته الحيوية.
٧- مشاكل صحية مفاجأة تتعرض لها الأم مثل ارتفاع الضغط المفاجئ.
هذه بعض الأسباب ولكن هناك غيرها، ويمكن أن يتم التعامل مع بعضها بهدوء حتى تلد الأم طبيعيًا ولكن في بعض الأحيان لا يمكن التعامل معها وتكون الولادة القيصرية هي خيار لا غنى عنه.
- هل يعني ذلك أن غالبية النساء تعاني من هذه الأعراض أعلاه لذلك تخضع للولادة القيصرية؟
بالطبع لا، فأنا لا أنكر أن العديد من الأطباء يخترن الولادة القيصرية كونها الحل الأسرع والأسهل دون النظر لأية اعتبارات أخرى، وهنا نطلق عليها "الولادة القيصرية غير الضرورية". فكان من الممكن أن يبذل الطبيب بعض المجهود لتلد الأم طبيعيًا ولكنه اختار الخيار الأسهل كما أخبرتك.
- وهل يعني ذلك أن الولادة القيصرية خالية من المخاطر؟
على عكس ما هو شائع، فالولادة القيصرية مخاطرها عديدة، ولكن فكرة سرعتها هي من تضلل الجميع، فمثلًا:
١- يمكن أن تصاب الأم بالعدوى خلال الولادة إذا استخدم الطبيب أدوات غير معقمة.
٢- تعرض الأم للخطر أثناء عملية التخدير إذا تمت بشكل خاطئ.
٣- يمكن أن تتعرض الأم خلال الولادة إلى فقدان دم بنسبة كبيرة.
٤- بعد الولادة تظل الأم تعاني من الآلم لفترة أطول من الولادة الطبيعية وهو ما يجعلها تتناول المزيد من المسكنات.
٥- صعوبة الولادة الطبيعية في المستقبل.
٦- آلام الظهر المستمرة نتيجة لحقنة التخدير.
هذه بعض المخاطر ولكن هناك المزيد والأشد خطورة، لذا فكرة أن الولادة القيصرية أسهل من الطبيعية هي معلومة مضللة ولكن هذا لا ينفي أنها تكون خيار بديل لا غنى عنه في حالة استحالة الولادة الطبيعية.
- كيف تعرف الأم إذا كانت بحاجة فعلًا للولادة القيصرية أم لا؟
أخبرها ألا تعتمد على طبيب واحد، بل يجب عليها استشارة أكثر من طبيب فإن أخطأ أحدهم لن يخطئ الآخر وإن قام بتضليلها اثنين فلن يضللها الثالث. ويفضل أن تستشير طبيب غير متابع لحالتها، لأنه حينها سيكون على علم بأنها لن تلد في عيادته أو المستشفى الخاصة به وبالتأكيد سيمنحها الجواب السليم، لأنه يعلم أن لا فائدة تعود عليه من تضليلها.
مصدر الصورة الرئيسية: انستجرام @cute_pregnancy
