كيف ساهمت الدراما في التوعية بالصحية النفسية في السنوات الأخيرة؟

مع موسم الدراما الرمضانية لهذا العام والجدل القائم حول مسلسلات مثل الهرشة السابعة، نلاحظ تناول الأمراض والاضطرابات النفسية بزوايا مختلفة. منذ سنوات قليلة كان تناول المرض النفسي محصورًا على الصورة النمطية بدون محاولات لعلاجها. ولكن مؤخرًا، بدأنا نرى وعيًا أكبر بضرورة اللجوء لمتخصصين سواءًا للأمراض النفسية أو للاضطرابات النفسية. كما لاحظنا أن تناوله لم يعد في شكل الستريوتايب المُعتاد، وتصاعدت أشكال الدعم من الشخصيات الدرامية، والتي تعامل المرض النفسي على أنه شيئًا طبيعيًا يمكن أن يحدث لأي إنسان. 

للأمهات: ١٠ دروس مستفادة لتربية الأبناء من مسلسل "كامل العدد"

إليكِ أهم الأعمال التي ناقشت الأمراض النفسية أو أشارت إلى الاضطرابات النفسية على مدار سنوات

خلي بالك من زيزي (ِADHD - فرط الحركة ونقص الانتباه)

رمضان 2023.. من وراء إطلالات النجمات في المسلسلات والإعلانات؟

مسلسل خلي بالك من زيزي كان من أوائل المسلسلات التي ناقشت مرض فرط الحركة ونقص الانتباه(ADHD). وحاز على إعجاب واسع لأنه تطرق إلى منطقة صعبة وحساسة تبدأ منذ الطفولة. تعاطفت الجماهير مع شخصية زيزي وبدأوا في تأمل محيطهم وأطفالهم لمحاولة استنتاج ما إذا كانوا يعانون من هذا المرض ويحتاجون للمساعدة أم لا. كما ساعد المسلسل في تعزيز روح التعاطف في المجتمع مع المصابين بهذا المرض وفهم طبيعتهم والبحث في كيفية التعامل الصحيح معهم. 

سقوط حر (الفصام/السكيزوفرينيا)

 تم عرض مسلسل سقوط حر في عام 2016. وتم تناول مرض الفصام عن طريق شخصية نيللي كريم. جسدّت نيللي كريم أعراض المرض ومراحله بشكل جيد بدءًا من حالات الذهول ورفض الطعام والشراب إلى الهلاوس السمعية والبصرية وغيرها من الأعراض. ورغم أن المسلسل يدور بالأساس حول جريمة قتل، إلا أن  المرض النفسي يسير بالتوازي مع أحداث المسلسل ويظهر في صورة مقبولة للمشاهد ليفهم منها طبيعة المرض.

الهرشة السابعة 

الهرشة السابعة: كيف تتخطين الخلافات مع شريكك بطريقة صحية؟

نرى دور أسماء جلال التي تعاني من إهمال الأهل في طفولتها، وهو ما سبّب لها إضطرابات ومشاكل نفسية جعلتها بحاجة للمساعدة المتخصصة. ما لفت الانتباه هذا العام هو دور زوجها على قاسم الذي ساعدها للجوء لمتخصص، وكان واعيًا بضرورة الحديث مع شخص يساعدها لفهم نفسها. كما أنه هو نفسه قد لجأ للعلاج النفسي في مرحلة سابقة بسبب الاكتئاب. وساعد المسلسل بشكل كبير في إثارة الجدل حول إمكانية اللجوء لمتخصصين بشكل طبيعي، والتحدث عن ذلك بين الأزواج دون الشعور بالخجل أو الوصمة. 

لعبة نيوتن (اضطرابات القلق، وفوبيا الأماكن المغلقة)

قدمت الفنانة منى زكي في مسلسل «لعبة نيوتن» دوراً جميلاً، كشف عن معاناتها من فوبيا الأماكن المغلقة، وإصابتها المتكررة بنوبات الهلع في ظل خوفها من المستقبل داخل الأحداث الدرامية للمسلسل. كانت تعاني أيضًا من اضطرابات القلق والتي يعاني منها الكثير من حولنا بدون تصريح حقيقي عن مشكلتهم خوفًا من الحكم عليهم بالصورة النمطية لمريض القلق. وإثارة الموضوع ضمن أحداث درامية يساعد المُشاهد في اكتساب التوعية المطلوبة حول الاضطرابات النفسية وتأثيرها على حياة الفرد والمجتمع.

تغيير جو (إدمان المهدئات)

في مسلسل تغيير جو الذي يُعرض الآن على منصة شاهد في موسم رمضان 2023، تظهر الفنانة شيرين في دور والدة منة شلبي، وهي مدمنة على المهدئات مما أدى إلى إيداعها في مصحة نفسية. لم تُظهر الأحداث كامل التفاصيل حول أسباب المرض وأعراضه بعد… لكن تناول قضية الإدمان من زاوية اخرى غير إدمان الكحول أو المخدرات، هي خطوة هامة في نشر الوعي للجمهور العادي، وإظهار أنواع أخرى للإدمان. 

مين قال (اضطراب القلق الاجتماعي - الحساسية الزائدة والاندفاع)

ركز مسلسل مين قال على المشاكل النفسية في مرحلة المراهقة. فظهر “شريف” الذي يُعاني من نوبات هلع متكررة خاصة عندما بدأ دراسة مجال لا يحبه، وظهرت الفتاة في دور “فريدة” التي تعاني من الحساسية الزائدة والاندفاع، كما ظهرت اضطرابات القلق الاجتماعي عند مقابلة الغرباء في دور “أكرم”. يساعد تناول مثل هذه الاضطرابات في توعية الأهل بمرحلة المراهقة وتحدياتها لأولادهم، وبالتالي يساعد في اللجوء للمتخصصين بصورة أكبر وباعتبار الاضطرابات النفسية في مرحلة المراهقة أمر وارد ولا يدعو للخجل.

أحلام سعيدة (اضطرابات النوم - عقدة الشعور بالذنب)

في مسلسل احلام سعيدة، عانت يسرا من اضطرابات النوم وعانت غادة عادل من عقد الشعور بالذنب بعد أن صدمت يسرا بسيارتها. وعقدة الشعور بالذنب تحديدًا قد يظهر على أنه سمة شخصية طبيعية، وقد لا يفكر الكثيرون أنه اضطراب يستدعي استشارة نفسية متخصصة. ساعد المسلسل في التوعية حوله وحول السمات الشخصية التي تبدو طبيعية ولكنها زائدة عن الحد، وهو في رأيي شيء مهم جدًا، لأننا نميل إلى تصغير الأمور مما يؤخر من حصولنا على المساعدة اللائقة ويُحسّن من جودة حياتنا.

راجعين يا هوى (الخوف من الالتزام بالعلاقة- الرجل السام)

تناول مسلسل راجعين يا هوى شخصية الرجل السام الذي يلجأ لطبيبة نفسية لمساعدته على فهم مخاوفه وتصرفاته الناتجة عنها. وهنا يُسلّط الضوء على توغُّل الاضطرابات النفسية في حياتنا بشكل حقيقي تطوّر مع عدم فهمه إلى السخرية منه أو قولبته بشكل واحد. بينما يحتاج الموضوع فهم الأبعاد النفسية الخاصة به واللجوء للمتخصصين لمساعدتنا في الفهم بشكل أعمق.

دور الدراما في المجتمع

والأعمال السابقة هي مثال لبداية تغيير حقيقي في نظرة المجتمع للاضطرابات النفسية التي تتطلب الانتباه لها. فقد بدأت الأمهات مثلًا في القراءة أكثر عن الصحة النفسية للأطفال، وتعلُّم العلامات التي يجب أن تقلقها إذا ظهرت على أحد أطفالها. ساعدت أيضًا الأهالي في تفهُّم الحالة المزاجية المتغيرة والمتكررة في فترات زمنية متقاربة لابنهم المراهق أو ابنتهم. وساعدت الأزواج في تقبل معاناة شريكهم، ومساعدتهم على تخطيها أو علاجها بطرق سليمة. 

نفهم من ذلك أن الدراما تعلب دورًا هامًا في تسليط الضوء على أهمية العلاج النفسي. وهي وسيلة هامة لتوعية الجمهور وتغيير نظرته العامة للاضطرابات النفسية، فهو يضع نفسه مكان الشخصيات الدرامية التي تجسدها، ويتعاطف معها. وفهم المشكلة والتعاطف معها هو السبيل الأول لعلاجها.

دور الدراما في حياة المريض النفسي

وكما تساهد الدراما في توعية الجمهور، فهي تساهم أيضًا في توعية المريض بأنه ليس وحده. وتجعل خطوة العلاج النفسي أسهل وأقرب إليه إذا شعر بانتمائه إلى مجموعة بعينها، أو معرفته أن لمعاناته نهاية أو علاج. كما تساعده في تقبُّل نفسه بصورة أكبر، وتفتح عينيه على ما هو أكبر من معاناته. وتتحسن حياة المريض النفسية بالتبعية حيث يدرك دورة المرض والتعافي، كما تُسهّل حياته مع المحيطين به بعد أن أدركوا شكل مرضه وطبيعته بصورة أوضح.

جمعينا نعرف الآن: “الصحة النفسية ليست رفاهية”