كروت للتنمر أو Bullying Flash Cards... كانت هذه أول كلمة لفتت نظري عند تجولي عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي. كانت الفكرة بالنسبة لي مدهشة، وأردت أن أعرف المزيد عنها. وبعد بحث قصير وجدت أن وراء هذه الفكرة هي المرأة والأم واستشاري التربية داليا أبو علم. والتي بعد تجولي عبر حسابها بانستجرام، شعرت برغبتها القوية في مساعدة الأطفال والأمهات، لذا لم يكن أمامي سوى التواصل معها، لأتحدث برفقتها عن كل ما يخص مشكلات تربية الأطفال، ومشكلة التنمر التي يعاني منها الغالبية العظمى من الأطفال، وأيضًا لتخبرني المزيد عن مشروعها "كروت التنمر". وإليك ما أخبرتنا به...
- متى بدأتي العمل كاستشاري تربية، وما الذي دفعك لاتخاذ هذه الخطوة؟
بدأت العمل كاستشاري تربية قبل أن أصبح أم، وأعتقد أنني كنت محظوظة بذلك لأنه ساعدني كثيرًا في فهم الكثير من الأمور، المرتبطة بين الأهل والأبناء. وأعتقد أن ما دفعني لاتخاذ هذه الخطوة والتخصص في مجال تربية الأطفال، هو أنني كنت أرى باستمرار مدى تأثر الأطفال عندما ينفعل الأهل عليهم دون أن يدرك الأهل أن انفعالهم يترك هذا الأثر الكبير على نفسية الطفل. من هنا تولدت لدي رغبة مستمرة في مساعدة هؤلاء الأطفال حتى يتفهمهم أهلهم ويدركوا الطريقة الصحيحة للتعامل معهم. وبعد الدراسة فهمت الكثير من الأمور كما أخبرتك ومن أهمهما سبب انفعال الأهل على الأبناء والذي في الغالب يكون نتيجة للضغوط التي يتعرضون لها. لذا أصبح هدفي ليس فقط مساعدة الأبناء ولكن أيضًا مساعدة الآباء في التعامل بطريقة صحيحة مع الطفل، وأعتقد أن هذه أكبر هدية يمكن أن أقدمها لأي طفل بالعالم.
- بصفتك تعملين عن قرب مع الأمهات والأطفال، برأيك ما هي أكثر المشاكل التي يتعرض إليها الأطفال في سن صغير؟
من وجهة نظري أكبر مشكلة يتعرض لها الأطفال في هذا العصر هي الضغوطات الكثيرة التي يعيش فيها الأطفال بشكل يومي وتؤثر على سلوكياتهم وتصرفاتهم، وهي في الغالب تنعكس عليهم عن طريق الأهل. فأغلب الأمهات والآباء اليوم يتعرضون لضغوط مستمرة، وهي ما تخلق منهم أشخاص غير أسوياء، منفعلين دومًا ويشعرون بالغضب وبالتالي وكما نقول "فاقد الشيء لا يعطيه"، فإذا كانت الأم لا تشعر بالسلام الداخلي أو الهدوء النسبي فهي لن تستطيع منحه لطفلها، ولن تكون قادرة على فهم طفلها واستيعاب احتياجاته وإيجاد طريقة للتواصل معه، نتيجة لشعورها بالضغط المستمر الذي يجعلها لا تحسن التفكير أو التصرف.
- عند التوعية بمشكلة التنمر تكون دومًا هناك مقولة ساخرة "جميعنا تعرضنا لذلك ولم يحدث شيء" أو " أنتوا مكبرين الموضوع"، فما هو تعليقك عليها؟
هذه الحقيقة، ولكن ما يجهله الكثير أن جميعنا نتأثر سلبيًا بالتنمر ولكن طريقة تفاعلنا مع الأمر مختلفة، فمنها من تهتز ثقته بنفسه، ومنا من يشعر أنه غير محبوب، وغيرها، فكل شخص تتوله لديه اعتقادات سلبية عن ذاته تظهر في مرحلة ما. لذا ما يجب أن يفهمه الجميع أننا نحارب التنمر حتى نتجنب حدوث هذه الاعتقادات السلبية التي يمكن أن تؤثر على مستقبل الشخص وعلاقاته.
"أطفالنا بحاجة لمن يفهمهم ويستمع لهم ويفهم احتياجاتهم ومتطلباتهم"
- هل التنمر يؤثر فقط على الطفل الذي يتلقى التعليقات السلبية، أم أنه يؤثر أيضًا على الطفل المتنمر؟
دعينا نتفق على أن الطفل المتنمر هو نتاج للتربية الخاطئة، فكما أخبرتك الأهل نتيجة للضغوط التي يتعرضون لها، فهم يخطئون كثيرًا في تربية أطفالهم ويكررون نفس الطريقة أو أسلوب التربية التي نشأوا بها. فمثًلا، إذا كان الأب أو الأم في صغرهم كانوا أهلم يقومون بتعنيفهم كثيرًا فهم يكررون الأمر ذاته مع أبنائهم. وبالتالي يريد الطفل أن يعيد الأمر مرة أخرى ليشعر بالقوة، فيذهب ويهدد أصدقائه أو يصرخ بهم أو يتنمر عليهم. وهنا ومع الوقت يصبح الطفل المتنمر غير محبوب وسط زملائه ويتجنبونه، ومع الوقت إذا كبر وهو شخص متنمر يفقد زملائه بالعمل ومن الممكن زوجته وهكذا. ما يعني أن التنمر لم يؤثر على الطفل المتلقي فقط بل على الطفل المتنمر أيضًا، والأمر بأكمله عائد للتربية.
- ما الذي يجعل الطفل المتعرض للتنمر يفضل الصمت وعدم التحدث عن والديه عما حدث؟
هناك العديد من الأسباب التي تجعل الطفل يفضل الصمت وعدم الحديث وإليك بعضها:
١- الطفل لم يتعود على أن تكون هناك مساحة له يتحدث فيها بحرية ويستمع له أهله جيدًا وبإنصات. فنحن نعيش بإيقاع سريع، ودائمًا هناك مسئوليات وأشياء يجب أن تنجز سريعًا ووسط كل هذا لا نجد الوقت الكافي للجلوس مع أطفالنا والتحدث معهم.
٢- الطفل بحاجة لتعلم كيف يعبر عن مشاعره وكيف يحكي عما يحدث معه، وهذا شيء يجب أن يقوم الأهل بتعويد طفلهم عليه من الصغر. لأن الأمر يكون بالغ الصعوبة عندما يكبر الطفل، لأنه حقًا لم يعتاد على التعبير عن نفسه.
٣- الأهالي بحاجة لإصلاح بعض المفاهيم الخاطئة لديهم في التربية. فهم يعتقدون أن الجلوس مع الأطفال وإعطائهم أوامر هو بمثابة حديث مع الطفل. ولكن هذا خطأ. فالتحدث مع الطفل يعني الصمت تمامًا وترك الطفل يخرج كل ما لديه، دون إعطاء أي أوامر.
- برأيك، إلى أي مدى يؤثر التنمر في شخصية الطفل؟
الطفل دائمًا يتأثر بكل شيء هو وصغير، فهو يتأثر بمعاملة أهله، أشقائه، أصدقائه، ولكن مدى التأثر يختلف من طفل لآخر بناء على عدة عوامل. فما حجم التنمر الذي تعرض له، وكيف تعرض له، وكيف تفاعل مع الأمر حينها. لذا نحن نقول أنه من الضروري التحدث مع الطفل ومساعدته على الحكي، حتى نستطيع بدورنا أن نجعله يفكر بشكل إيجابي ولا يبني معتقدات سلبية بداخله عن نفسه، أو شكله أو أي شيء.
- حدثينا أكثر عن مشروعك الـ Bullying Flash Cards ؟
"كروت التنمر" أو الـ Bullying Flash Cards هي وسيلة لمساعدة الأطفال على الحكي والتعبير عن أنفسهم. فمن خلال قيام الأهل بتخصيص وقت لقضائه مع أطفالهم لقراءة هذه الكروت التي تحتوي على أحداث شبيهة لما نتعرض له في حياتنا اليومية، يمكن أن يساعدوا الأطفال في التفاعل معهم والحديث عما تعرضوا له.
- وكيف جاءت فكرة المشروع، وما الذي دفعك لتنفيذها؟
الفكرة في البداية جاءت لي عن طريق ابنتي. فعندما تعرضت ابنتي للتنمر، رفضت اتخاذ الطريق المعتاد الذي يفعله الغالبية العظمى من الأهالي وهو إما الشكوى في المدرسة أو التواصل مع والدة الطفل المتنمر للتعبير عن غضبهم عما فعله طفلها، ولكن هذا لم يكن هدفي. فأنا أم، وأرغب في مساعدة غيري من الأمهات في تعليم أطفالهم كيف يحمون أنفسهم من التنمر، وتغيير النظرة المعتادة على أن الطفل الذي تعرض للتنمر هو طفل ضعيف ولا يستطيع الدفاع عن نفسه.
لذا بدأت أحكي لابنتي بعض القصص عن أشخاص تعرضوا للتنمر وكيف تفاعلوا معه ودافعوا عن أنفسهم، فوجدتها تتفاعل وتحكي أنها أيضًا تتعرض للشيء ذاته، وبدأت تشعر بأنها ليست الوحيدة. كما تولدت لديها شجاعة داخلية بأنها سترد على المتنمر وأنها ليست ضعيفة. ووجدت أن هذه الطريقة فعالة للغاية، وكان تأثيرها واضح على ابنتي. من هنا قررت أن أقوم بنشر الفكرة لمساعدة غيري من الأمهات، والكثير من الأطفال.
- أخيرًا، نصيحة منك لجميع الأمهات للحفاظ على الصحة النفسية لأبنائها؟
" فاقد الشيء لا يعطيه" هذا هو ما أقوله للأهل. فإذا أردت أن تحافظ على الصحة النفسية لابنك أو ابنتك، فعليك أن تحافظ على صحتك النفسية "أنت" أولًا. فالأطفال يتعلمون عن طريق التقليد، وهم يتعلمون كل شيئ عن طريق الأهل. فإذا وجد الطفل الأم طوال الوقت مضغوطة ومجهدة وغاضبة، وطريقتها سلبية ليس فقط معه ولكن مع الجميع، فهو يتعلم منها ويقلدها.
يمكنك زيارة الحساب الرسمي لاستشاري التربية داليا أبو علم على انستجرام هنا أو زيارة موقعها الرسمي هنا>>