تنويه: إذا لم تشاهد مسلسل "دواعي السفر" فهناك حرق لبعض الأحداث.
"بص يا على عايز تعلق كل مشاكلك عليا، مفيش مشكلة ماشي، حاضر أنا الأم الأنانية إللي مبفكرش غير في نفسي حاضر، ما هو أنا أمك لازم أستحمل أي حاجة أنت تقولها، الناس لا بقى، متعلقش مشاكلك على الناس وبالذات في القرارات إللي أنت بتبقى مسئول عنها... كان هذا رد والدة أمير عيد "إسعاد يونس" في مسلسل "دواعي السفر" عليه عندما قرر أن يلومها على جميع أفعاله وأخطائه ويتهمها بأن ما فعلته في طفولته هو السبب فيما يفعله اليوم بنفسه وبالمحيطين به... لحظة! أليس هذا ما يفعله أغلبنا. لن أقول جميعنا ولكن البعض منا مر بطفولة ليست سعيدة، قد تكون قاسية، مليئة بالصدمات، تركت ندبة وجرح عميق بداخلنا مازال يؤثر على قراراتنا حتى اليوم. أو بلغة أطباء الصحة النفسية "مازال طفلنا الداخلي يعاني" ولكن هل يمنحنا هذا الحق بأن نظل نلوم والدينا على ما فعلوه بنا؟ هل لوم الأهل على جميع قرارتنا قد يحدث تغييرًا ننتظره؟ الحقيقة أن الإجابة لا، وكما قالت والدة أمير عيد حتى إذا لومناهم فما ذنب المحيطين بنا.
يقول أطباء الصحة النفسية أن ما حدث من ندوب وجروح في الطفولة ليست مسئوليتك ولكن التشافي مسئوليتك! في البداية كنت أرى هذه الجملة ظالمة بعض الشيء، كيف يكون التشافي من شيء لم أكن السبب فيه مسئوليتي، أليس من المفترض أن نحاسب المسئول عنه بالأساس! ولكن بمرور الوقت أدركت العكس...
لماذا يجب أن نتوقف عن لوم الأهل؟
ببساطة لوم الأهل لن يحدث أي تغيير! نعم هذه هي الحقيقة لومهم لن يغير مما حدث شيء ولن يغير من أفعالك. الأمر كله ستشعر وأن الزمن متوقف عند نقطة ما وستجد أن سلسلة من الأخطاء ترتكب دون توقف لن يكون ضحيتها غيرك. هذا يعني أن اللوم لم يفعل شيء سوى أنه جعلك تخطئ بحق نفسك فقط. لا أتذكر أنني رأيت شخصًا تغيرت حياته بعدما استمر في لوم والديه عما فعلوه به، ولكني أتذكر جيدًا أنني رأيت العكس. ورأيت أشخاصًا حبيسة الماضي تؤذي نفسها والمحيطين بها كل يوم حتى أنها تصبح نسخة من نفسها غير راضية عنها. لأجل كل هذا يجب أن نتوقف عن لوم أهالينا عما فعلوه بنا، لأنه لن يغير شيء. يكفي أن نعبر لهم عما نشعر به من ألم- إذا كانت هناك مساحة تسمح بذلك بالطبع. يكفي أن نطلب منهم مساعدتنا، إذا أرادوا إصلاح ما أفسدوه في الماضي. دون أي توقعات بالمواقفة أو بتقبل الأمر، لأنه قد يحدث العكس.
هل "أزمة منتصف العمر" مشكلة حقيقية يعاني منها الجميع؟
متى يجب أن نتوقف عن لوم أهلنا على صدمات الطفولة؟
ببساطة عندما نقرر بدء حياة جديدة ونتصالح مع أنفسنا. أعلم أن ما مررنا به في طفولتنا قد يكون قاسيًا بالنسبة للبعض وقد يكون من المستحيل نسيانه للبعض الآخر، ولكن في اللحظة التي تقرر فيها اختيار حياة أفضل لنفسك، ستتوقف عن لوم والديك عما فعلوه بك، وتبدأ التعامل بشكل فعلي مع ما حدث بك وتقبل هذه الندوب التي بداخلك والتعامل معها والتشافي منها.
كيف أتوقف عن لوم أهلي على صدمات الطفولة؟
الإجابة ليست سهلة وحتى وإن لخصتها في نقاط يبقى تنفيذها هو الجزء الأصعب، ولكن ما دمنا نحاول سنتمكن من تجاوز هذه الآلام...
١- استوعبي أن والديك هم بشر أيضًا
أعترف في اللحظة التي رأيت فيها والدي على أنهم بشرًا تقبلت الكثير من الأشياء، حتى أنني تصالحت مع أشدها قسوة... بمجرد أن تفكري أن والديك كانت لهم حياة مثلك تمامًا قبل إنجابك، لهم تجاربهم، وأخطائهم، لهم والديهم وما تركوه من ندوب بداخلهم، ستتعاملين هنا على أنكم شخصان بالغان مررتم بتجارب قاسية ليس أم / أب وابنته. ربما لم يكن لديهم الوعي الكافي ليدركوا ما كانوا يفعلوه بنا، ربما كانت ندوب تجاربهم أشد قسوة من التعامل معها، قد تكون هناك الكثير من الاحتمالات، ولكن يبقى الشيء الأكيد بالنهاية أنهم بشر مثلك تمامًا.
ماذا يقول الوقوع في حب الأشرار بالمسلسلات والأفلام عن شخصيتك؟
٢- اطلبي تفسيرًا
أكثر ما يؤلمني شخصيًا حتى اليوم أنني لم أكن قادرة على طلب تفسير لكثير من الأمور، إنها الخطوة الأصعب على الإطلاق، ولكن إن سنحت لي الفرصة والجرأة سأفعلها دون تردد. لذا اطلبي من والديك تفسيرًا عما فعلوه بك في طفولتك، دون أي هجوم. فقط تذكري الحدث وكوني منفتحة لسماع رأيهم، تفسيرهم، بالطبع هذا لن يكون مبررًا لفعلهم وقتها، ولكن ما تفعليه هنا هو تفههم وجهة نظرهم وقتها، ربما يساعدك هذا على ألا ترتكبي مثل هذا الخطأ في المستقبل. ربما تفسيرهم يجعلك ترين شيئًا أعمق تريدين التعامل معه.
٣- اعتذري لطفلك الداخلي
يوميًا أقف أمام المرآة وأنظر لنفسي وأقولها لها آسفة، ولكنه مر وما بقي سيمر. أحاول أن أرى هذه الطفلة التي مرت بأشياء لم تكن ترغب بالمرور بها وأواسيها، أحاول أن أخبرها بأن كل شيء مهما بلغت صعوبته وقسوته سيمر، هذه هي الحياة وه`ا ما علمتنا. جميع الأشياء تمر، حتى تلك الأوقات القاسية التي ظننا أنها لن تمر أبدًا وستظل تؤلمتا إلى آخر العمر، ولكننا اليوم نتذكرها كأنها لم تكن.
كيفية اكتشاف الأهل السامين "توكسيك" والتعامل معهم؟ المعالجة النفسية ياسمين عبد الرازق تجيب
٤- سامحي!
التسامح هنا ليس فقط من أجل الآخرين ولكنه من أجلك أنت أيضًا. لا يمكننا الاستمرار ونحن محملين بكل هذا الغضب، فهذا يجعلنا وكأننا نشيل أطنانًا لا نقوى على حملها. كلما تسامحنا كلما أصبحنا أخف، كلما كنا منفتحين على الحياة، قد يكون التسامح صعب؛ لا أنكر ذلك ولكن نتيجته تستحق. سامحي، لأنهم بشرًا يخطئون ويصيبون، سامحي، لأننا جميعًا نريد حياة هادئة لطيفة.
تذكري دومًا، أن التشافي هو نهاية الحرب بينك وبين نفسك..